العلاقات الثقافيّة الإماراتيّة الكويتيّة هي نتاج لتراث وتاريخ مشترك ورؤية سياسيّة واهتمام متواصل لبلدين تربطهما أواصر الأخوة والقرب الجغرافي والعلاقات التاريخية الراسخة، ويجمعهما مجلس التعاون الخليجي، والتواصل الثقافي المتين. ولاشك أنّ الثقافة هي حصيلة الماضي والحاضر والتطلّع للمستقبل الذي ينظر له البلدان بعين واثقة ومؤمنة بالمزيد من النجاح والتطوّر، ولذلك فقد كانت العلاقات والشراكات الثقافيّة والتعليميّة والأنشطة المعرفية والفكرية والإبداعية في الفنون والآداب والمؤسسات الحاضنة لذلك في الكويت والإمارات، تنبني على هذه الرؤية التي لم تواجه أيّة صعوبات، بسبب قيم مشتركة وأصالة ممتدة يكتسبها الأبناء من الآباء، فكانت الأخوّة والعادات والتقاليد واللهجة وطبيعة المنطقة عاملاً قويّاً في التسريع من وتيرة الفعل الثقافي، كمُعبّر عن إحساس عالٍ من الصداقة والعيش في منطقة واحدة، إذ يدرك البلدان الشقيقان الإمارات والكويت أهميّة الحفاظ عليها وصون أصالتها والمضي قدماً بتطلعاتها وحفظ مكتسباتها التاريخيّة. ويشعر الإماراتيّون تجاه إخوانهم في الكويت بالاعتزاز، حين يتذكرون فترة ما قبل الاتحاد، وهي فترة يتناولها الدارسون لقراءة أوجه الفعل الثقافي وإرهاصاته في المنطقة ككل، فحين يدخل العنصر التربوي -التربية والتعليم والمدارس والجامعات في ما بعد- في الموضوع الثقافي، فإنّ عقد الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي مؤشّر ثقافي مهم، كما يقول المؤرخون وقُرّاء صفحات تلك المرحلة، لأنّها كانت مرحلة نهوض إماراتي، ووقوف كويتي أصيل إلى جانب الإمارات في مدّها ببعثة تعليميّة كويتيّة، من خلال المدارس، إيماناً بأهميّتها في مجال التعليم والتطوّر، هذا طبعاً كجزء من وقفة شاملة أخوية شملت أيضاً الصحّة ومجالات أخرى. وما دمنا نتحدث عن الجانب الثقافي فقد امتد ذلك أيضاً إلى فترة نهاية الستينيات وما بعدها، حين أنشئت بدعم كويتي محطّة إرسال تلفزيوني في دبي عام 1969، وهو عملٌ نبيل يذكره الإماراتيّون باحترام وتقدير، وكان للتلفزيون وقبله نهضة التعليم دور ثقافي مهم في تلك المرحلة بالنسبة للإمارات. العمل الثقافي النموذجي وقبل أن ندخل إلى العمل الثقافي المؤسسي والنموذجي المنظّم في الإمارات والتنافذ منه على الجارة الأصيلة دولة الكويت، في التمثيل الدبلوماسي والثقافي، فقد ترسخت أوجه هذا التعاون بفضل رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تعزيز التعاون بين البلدين، وهو القائد المؤسس المشهور بحكمته وحفاظه على التراث وقيم العروبة والحفاظ على روابط الجيرة العربيّة، وتحديداً في منطقة الخليج العربي. فقد كانت رؤيته الحكيمة داعمة لكلّ تعاون وداعمة للأشقاء، وقد تجسد ذلك في الشعور النبيل والموقف المبدئي تجاه أزمة الغزو العراقي للكويت. لتكون بعد ذلك زيارة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، إلى الكويت عام 2005 لتصبّ في اتجاه تعزيز التعاون وفتح آفاقه في مختلف المجالات. ويتواصل تعميق العلاقات والشراكات بين البلدين الشقيقين مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ورؤيته الحكيمة في تعزيز روابط الأخوّة والتعاون وتمتين الشراكات في كافة المجالات مع الدول الشقيقة والصديقة، ولاشكّ أنّ هذا انعكس على تعزيز الشراكات في الجانب الثقافي وعمل على ترسيخها وتكريسها بين البلدين. أخبار ذات صلة محمد بن زايد ومحمد بن راشد: تمنياتنا للكويت وشعبها الخير والعزة والازدهار خبراء لـ«الاتحاد»: الكويت محور اتزان في المنطقة اتفاقيات شراكة ثقافية لقد شهدت الأعوام الماضية توقيع العديد من الاتفاقيات المهمّة بين البلدين في المجال الثقافي والفني والتربوي وفي قطاع التعليم العالي والبحث العلمي. ومن ذلك التعاون الثقافي في حقول المكتبات والثقافة والفنون أيضاً بين دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت. وكذلك الحضور الثقافي المتبادل في فعاليات ثقافية مشتركة مثل تدشين المراكز الثقافية والفنية وغيرها، والاحتفاء بالأيّام الثقافيّة في البلدين، كما كان الحال في اليوم الثقافي الإماراتي في الكويت وجرى في مسرح مكتبة الكويت الوطنيّة. ومثل ذلك كثيرٌ أيضاً من الأنشطة التي بُنيت، كما أشرنا، على شراكات التعاون الثقافي كجزء من منظومة تعاون كاملة في مجالات عديدة. واعتماداً على الثقافة الواحدة، وتقديراً لريادة ودور دولة الكويت وحضورها الثقافي الواضح في الجسم الخليجي والعربي، يذكر كثيرٌ من الشعراء الإماراتيين في سيرتهم وذكرياتهم قبل تأسيس الاتحاد، أنّهم كانوا يسافرون إلى الكويت ويعملون فيها ويتعرفون على مجالاتها الثقافية في التعليم والفنون والآداب، وكذلك مجلّتها العريقة «العربي» كمجلة رائدة، فضلاً عن عناصر الثقافة الأخرى المتعددة ودورها الكبير في عموم المنطقة. حضور ثقافي متميز وفي معرضي الكتاب الدوليين السنويين، في كلٍّ من أبوظبي والشارقة، كان لحضور الكتاب الكويتي نصيبه في هذين المعرضين، بل إنّ دورة معرض الشارقة الأربعين، قبل عامين، استضافت الأديب الروائي الكويتي طالب الرفاعي شخصيّة العام الثقافية 2021، كما تشارك جمعية الناشرين الإماراتيين بشكل منتظم بمعرض الكويت الدولي للكتاب. ومثل ذلك كان في مهرجان الشارقة لكلٍّ من الشعر الفصيح والنبطي، من خلال حضور الشعر الكويتي وإبداعاته على منصّة القراءة الإبداعية الإماراتيّة. وحقق أدباء الكويت أكثر من فوز ثقافي في جوائز وبرامج إبداعيّة عديدة في الإمارات، إذ فاز، على سبيل المثال لا الحصر، الروائي الكويتي سعود السنعوسي بجائزة البوكر العربيّة عن روايته «ساق البامبو»، وفازت الكاتبتان الكويتيتان أمل الرندي وفاطمة شعبان بجائزتي الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية في حقل أدب الأطفال، وكذلك كانت هناك مشاركات كويتية متميزة في مجالات التصوير الفوتوغرافي، وفي مجلس الحيرة الأدبي للشعر النبطي كأمسية متخصصة للشعر الكويتي. وقد احتفى المثقف الإماراتي من خلال أوبريت «صباح الإنسانيّة»، على مسرح شاطئ الراحة في أبوظبي بأمير دولة الكويت الراحل المغفور له الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله. وشارك الكويتيون أشقاءهم الإماراتيين في الاحتفال باليوم الوطني الحادي والخمسين، من خلال حفل تراثي استضافته ديوانيّة شعراء النبط بالكويت، كتعبير عن الحسّ الأخوي المتبادل بين البلدين. وفي برامج ومسابقات الشعر، فاز الشاعر راجح الحميداني بلقب «شاعر المليون» في موسمه السابع بأبوظبي، حاملاً بيرق الشعر، مثلما تأهّل شعراء كويتيون إلى مراحل متقدمة في برنامج «أمير الشعراء»، بأبوظبي، وهكذا، كانت الحواضن المؤسسية في العمل الثقافي والمهرجانات والبرامج تشهد دائماً حضوراً كويتيّاً متميزاً، كما في المسرح الخليجي بالشارقة، وفي الهيئة العربيّة للمسرح، وفي غير ذلك من الأنشطة والفعاليات. وقد كرّمت أيّام الشارقة المسرحيّة الفنان الكويتي جاسم النبهان بفوزه بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي في دورتها الخامسة عشرة. وفي الكويت أيضاً كان الحضور الاحتفائي واضحاً للإمارات ضيف شرف على مهرجان القرين الثقافي بالكويت عام 2010، مثلما كرّم مهرجان القرين صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، شخصيّةً له. وفي دبي، كان الحضور الكويتي واضحاً أيضاً في إكسبو 2020 دبي، من خلال جناح متميّز، يعكس الصورة المشرقة تحت شعار «كويت جديدة.. فرص جديدة للاستدامة»، والتركيز على رؤية الكويت 2035، وإبرار ما تحقق من مكاسب كبيرة في القطاعات الاقتصادية والثقافيّة والشبابيّة. تراث مشترك وهكذا، فقد ساعدت البيئة المتشابهة في بحرها وبرّها وفي تراث الغوص وتجارة اللؤلؤ في فترات سابقة، وفي أغنيتها الشعبية وشلّاتها وألحانها وقصيدتها النبطيّة الأصيلة، في مدّ البلدين بإرث غنائي رائع وحسّ درامي وسينمائي مميز، وفلكلور وفرق قديمة نستحضر أصالتها اليوم كغناء للبحر وقصص معه، في رحلات النواخذة والنهّامين والشعراء وفي أساطير البحر وظروفه وقصصه. وهو ما تمثّل في قراءة قصّة «ألف ليلة وليلة» في ملتقى الشارقة الدولي للراوي في موضوع البحر كدورة من دورات الملتقى، بمشاركة كويتية في مقاربة تراثيّة رائعة وثريّة. مثلما استضافت الشارقة أسبوعاً للتراث الكويتي في أيّام الشارقة التراثيّة، مع إبراز غنى وجماليات التراث الكويتي كتراث خليجي وعربي مميّز. والأمثلة كثيرة على الحفاوة المتبادلة في المجال الثقافي، وأيضاً على التكامل الثقافي الراسخ بين الكويت والإمارات، الذي يبني على التاريخ والتراث الأصيل ويؤسس عليه لمستقبلٍ مشرقٍ ومضيء للأجيال القادمة في كلا البلدين الشقيقين.
مشاركة :