قبل أقل من شهر على انطلاق قمة المناخ «كوب27» التي تستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية، عاد الطقس المتطرق ليدق أبواب العرب من جديد، ولكن هذه المرة في دول المغرب العربي، ليذكّر بأهمية توفير حلول للمتضررين من هذه الظواهر، والذين باتوا يعرفون باسم «لاجئي المناخ». وتساقطت الأمطار الأحد والاثنين الماضيين بغزارة عالية، وخلال فترة زمنية قصيرة، في عدد من ولايات الجزائر، لكن الولاية الأكثر تأثراً، كانت برج بوعريريج (من ولايات الهضاب العليا شرق الجزائر)، حيث تسبب جريان المياه بقوة عالية وجارفة من المناطق الجبلية، نحو مناطق أقل ارتفاعاً، في موجة من الفيضانات المدمرة، التي أدت إلى إجلاء 35 منطقة. وأغرقت الأمطار الغزيرة، التي لم يتعد هطولها مدة نصف ساعة (الثلاثاء)، مدينة فاس المغربية، وأغرقت عدداً من الشوارع والأحياء، وتسببت في جرف عدد من المركبات والممتلكات الخاصة. وشهدت (الاثنين) بعض مناطق ولاية الكاف (شمال غربي تونس)، تساقط كميات كبيرة من الأمطار مصحوبة بالبرد؛ بما تسبب في دخول المياه إلى عدة منازل بمدينة ساقية سيدي يوسف بالولاية، وسقوط جزء من سور المدينة. وخلال الشهر الماضي، ضربت الأمطار الغزيرة التي تصل إلى حد السيول والفيضانات مناطق عدة في موريتانيا، كما ضربت أوائل الشهر الحالي مناطق عدة، وأدت إلى انهيار مبانٍ سكنية في مناطق مختلفة من البلاد. وجاءت هذه الأمطار الغزيرة، المسببة الفيضانات، بعد صيف شديد الحرارة تسبب في جفاف شديد، وهو ما يعرف بـ«تأثير التربة المتصلبة». ويتسبب الجفاف الشديد في تحويل جزيئات التربة لتكون «طاردة للماء»، وبالتالي عندما يحدث هطول شديد للأمطار بعد موسم جفاف لا تكون التربة قادرة على استيعاب كميات المياه الكبيرة، فيؤدي ذلك إلى السيول والفيضانات. وتصف الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ((IPCC في تقريرها الأخير الصادر في فبراير (شباط) من العام الحالي، منطقة المغرب العربي بأنها من البقاع الساخنة والأكثر عرضة لتغير المناخ، وظواهره المتطرفة من فيضانات، وجفاف، وموجات حرارة، وحرائق غابات؛ وهو ما يجعل دول هذه المنطقة من بين الأكثر احتياجاً لتمويل برامج «التكيف المناخي»، والتي تشمل دعم الفئة الجديدة التي باتت تعرف بـ«لاجئي المناخ». و«التكيف المناخي»، هي برامج من شأنها مساعدة المجتمعات على الصمود في مواجهة تأثيرات الطقس المتطرف، وتشمل بناء الطرق والجسور بحيث تكون مكيفة لتحمّل درجات الحرارة المرتفعة والعواصف الأكثر قوة، وإنشاء أنظمة لمنع الفيضانات في الشوارع وفي منشآت النقل تحت الأرض، إيجاد سبل للحد من الانهيارات الأرضية والفيضانات الناجمة عن ذوبان الأنهار الجليدية في المناطق الجبلية، وقد تحتاج بعض المجتمعات إلى الانتقال إلى مواقع جديدة، بسبب تضررها من الفيضانات والسيول، كما حدث في بعض دول المغرب العربي مؤخراً، وهؤلاء ما يطلق عليهم «لاجئو المناخ». ويحتاج «لاجئو المناخ» إلى دعم عاجل وسريع من الدول الغنية خلال قمة «كوب27» بمصر، التي تأتي متزامنة مع أزمة عالمية في الطاقة، ربما لا تجعل هناك فرصة لتحقيق أي تقدم في ملف تخفيض الانبعاثات. ويقول حسن أبو النجا، مدير المنصة المعرفية للتغيرات المناخية، المدير التنفيذي للشبكة العربية للتنمية المستدامة لـ«الشرق الأوسط»: «توجد ثلاثة ملفات رئيسية مطروحة في قمة المناخ، وهي تخفيض الانبعاثات، والتعويضات عن أضرار التغير المناخي، وتمويل برامج التكيف المناخي، ومع أزمة الطاقة الحالية، نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية، التي دفعت بعض الدول الأوروبية للعودة لاستخدام الفحم لتأمين احتياجاتها من الطاقة بعد القرار الروسي بوقف إمدادات الغاز عن بعض الدول الأوروبية، لا أتوقع تحقيق أي تقدم في الملف الأول». وتابع «أما فيما يتعلق بملف التعويضات، فالدول الغنية، وخلال القمم السابقة لديها حساسية بالغة تجاه هذا الملف، لكن الملف الذي تتجاوب معه نوعاً ما، هو ملف التكيف مع التغيرات المناخية». ويضيف «أتمنى أن تتمكن الدول النامية في قمة الشهر المقبل من الحصول على تمويل حقيقي لبرامج التكيف المناخي؛ لأن ما حدث من ظواهر مناخية متطرفة خلال الأشهر الماضية، يطلق جرس إنذار بأهمية اتخاذ إجراءات مناسبة، قبل أن تصبح بعض المناطق غير قابلة لمعيشة البشر بسبب التغيرات المناخية». ووفقاً للتقييم الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من المتوقع أن يصبح المناخ أكثر سخونة وجفافاً في معظم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسيؤدي ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار إلى زيادة حدوث حالات الجفاف، وهو تأثير بدأ بالفعل في الظهور في المنطقة المغاربية. ومن المقدر أيضاً، وفق التقرير، أن يتعرض من 80 إلى 100 مليون شخص إضافي بحلول عام 2025 للإجهاد المائي، والذي من المحتمل أن يؤدي إلى زيادة الضغط على موارد المياه الجوفية، والتي يتم استخراجها حالياً في معظم المناطق التي تتجاوز إمكانات إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية. وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تتقلب المحاصيل الزراعية، لا سيما في المناطق البعلية، على نطاق أوسع، وأن تهبط في النهاية إلى متوسط أقل بكثير على المدى الطويل، وفي المناطق الحضرية في المغرب العربي، يمكن أن تؤدي زيادة درجة الحرارة بمقدار 1 - 3 درجات إلى تعريض من 6 إلى 25 مليون شخص للفيضانات الساحلية، بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تؤدي موجات الحرارة وزيادة «تأثير الجزر الحرارية» وندرة المياه وانخفاض جودة المياه وتدهور جودة الهواء، إلى ظروف معيشية صعبة.
مشاركة :