شيخة الجابري تكتب: عندما نكبَر

  • 10/17/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عندما نكبَر نصير أكثر حكمةً وعمقاً وصدقاً مع أنفسنا، نصير آخرين نبحثُ في ذواتنا، نسافر إلينا، نصبح كالذي يتعرف على ذاته لأول مرة، تلك الذات التي نسيها بتعبها وراحتها، بصخبها وسكونها وهو يمضي في هذه الحياة لاهثاً تارة، هادئاً تارة أخرى، يراوح بين عمل وراحة، يضع الآخرين قبله، يحرص عليهم، على رضاهم، يقدّم أجمل الخدمات لهم، وينسى نفسه، ليتذكرها عندما يكبر. في اتجاهنا نحو أنفسنا نبدأ بالدخول إلى الأعماق، إلى الروح التي قطعناها لم نحاورها ونحن منغمسون في محاورة الآخر، لمّا نخلق ذاك التواصل مع دواخلنا، ونهدم الجسر الذي شيّدناه بمرور الوقت حتى انغلق أمام أقدامنا عندما حاولنا العبور من خلاله نحو مناطق جديدة يهمّنا أن نصل إليها، وأن نتواشج معها، وأن نسافر على أجنحة الخيال الذي ما استخدمناه على النحو الذي ينبغي عندما احتجنا إليه، وكان أن هجرنا وعاد، وعاد وهجرنا في مراوحة بين الحضور والغياب يتقاطع مع حضورنا الذاتي باتجاهنا. كثيرون هم الذين خدعتهم الحياة، والركض المجنون نحو العمل، وإثبات الذات، وتحقيق الإنجازات، وشراء الأوقات لمزيد من الاقتراب من الآخرين، والترقب للكثيرين، وتناسوا في تلك الحالات كلها الاقتراب من أنفسهم، ومصالحة ذواتهم، كل شيء مؤجل كان من أجل تحقيق المزيد من الحضور المجتمعي، والغياب عن النفس، تلك النفس التي أرهقتها الأيام، وأنهكها العمل، وصارت في حاجة ماسة لمن يحبّها بصدق، يُصغي إليها، تتكئ عليه ذات تعب، وتستند إليه عند سقوط أو انهيار. عندما نكبر نهدأ، تستريح ساحة المعركة فقد أصبحت محسومة، أنت والزمن أمامك، حاول التصالح معه، اصنع جسراً رقيقاً من الحب معه، الآن ليس سواكما وبعض تراكمات حملتها معك وأنت تلهث في ميادين الحياة، آن أوان الالتفات إليك، لاحظ نبضك، صوتك، حضورك، إنك أكثر جمالاً وإشعاعاً وسكينة عن ذي قبل، لقد استرحت الآن من حالة الفوضى التي كنتَها، وحان وقت استفزاز فوضاك التي تخصّك ولا يعرفها أو يدرك أسرارها سواك. وأنت تكبر والأيام تتقاطع من حولك حاول أن تكون صريحاً إلى أبعد حد، فالصراحة مع الذات مهمة من أجل فهمها، والتخلص من كل الشوائب والإرهاقات والانتكاسات التي علِقت بها وما تجلبه معها من ويلات وأحياناً خسارات تترك علاماتها في الروح، ومن المهم لنا عندما نكبَر أن نخاصمها، وأن نصنع مساحة شاسعة من الحب لنا من خلالها نعبر نحو الفضاء، فضاؤنا الخاص بنا وحدنا، في محيطنا الأكبر ذاك الذي أحببناه أثر حينما لامسنا أرواحنا عن قُرب.

مشاركة :