قراءة بين سطور القصاص

  • 1/11/2016
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

ما إن أعلنت المملكة عن تنفيذها القصاص بحق 47 إرهابيا حتى توالت ردود أفعال الكثير من الدوائر الإعلامية في الشرق والغرب على حد سواء، أيد منهم الكثير ودعم موقف المملكة، بينما وجدت بعض الجهات الأخرى في تلك الأحكام أرضا خصبة لمهاجمة المملكة، وتوجيه الاتهامات لها بدعوى انتهاك حقوق الإنسان، وفي حقيقة الأمر لا تحتاج المنابر الإعلامية بالمملكة إلى تبرير الإرادة السياسية وممارستها لحقوقها من أجل ترسيخ الأمن والاستقرار، كما أنها لا تحتاج لمن يدافع عن حقها في تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية والتي كفلت لولي الأمر تطبيق ما يراه مناسبا للحفاظ على الأمة من خلال تطبيق عقوبتي القصاص والتعزير، وعليه لن أتخذ من قلمي منبرا لتبرير تلك الأحكام لثقتي في عدالة القضاء السعودي، بالإضافة إلى أنه شأن داخلي محض، لكني سأسرد بعض -وأكرر بعض- الحقائق لعل من يقرأها يعلم لأي درجة وصلت ازدواجية الغرب، وقد حصرت الجهات التي تقف خلف تلك الاتهامات ووجدتها لا تخرج عن ثلاثة محاور: المحور الأول- الأوروبي: صرحت المتحدثة باسم الاتحاد الأوربي بأن تلك الأحكام هي في حقيقتها أحكام سياسية، ونحن بالتأكيد نوافقها في ذلك، فما حدث هو رسالة سياسية بالدرجة الأولى إلى الدول الإرهابية التي تسعى لتصدير الإرهاب للمملكة، مفادها أن المملكة دولة مستقلة ذات سيادة، وأن أمنها وأمن شعبها خط أحمر، أما ما ذكرته عن أن هذه الأحكام هي تصفية حسابات، فليتها تلجأ لأحد مستشاريها القانونيين ليخبرها بأن أي حكم قضائي هو في حد ذاته نوع من تصفية الحسابات بين طرفين متخاصمين، بين القاتل والمقتول، السارق والمسروق، الدائن والمدين، إنه القصاص العادل لدماء الأبرياء التي أهدرت بلا ذنب. لقد انتقدت المتحدثة حكم الإعدام ذلك أن دول الاتحاد لا تعترف بهذه العقوبة، والسؤال: ألم تصب دول الاتحاد بهستيريا بعد تفجيرات باريس الأخيرة إلى الدرجة التي دفعتها لإعلان حالة الطوارئ ونشر قوات الأمن المدججة بالسلاح في كل زاوية؟ لماذا تدينون حكم الإعدام وقوات الأمن لديكم تقوم بإشهار سلاحها في وجه كل مشتبه؟ لماذا قامت قوات الأمن إذن بتصفية مجموعة أبي عود وشركائه؟ ألم تمارس فرنسا سيادتها بقتل الإرهابيين دون حتى محاكمة؟ ولو رجعنا قليلا للوراء، أسألكم: أين كانت جماعات حقوق الإنسان عندما قتل الفرنسيون مليون مجاهد جزائري؟ أين كانت عندما قتل الإيطاليون مئات الألوف في ليبيا والحبشة؟ أين كانت عندما أعدم البلجيكيون رئيس وزراء الكونغو المنتخب ديمقراطيا لومومبا، وأذابوا جسده في حامض الكبريتيك في ستينات القرن المنصرم؟. المحور الثاني- الأمريكي: أعربت الولايات المتحدة عن قلقها وطالبت باحترام حقوق الإنسان!، من المؤكد أن هذه الإدانة هي أدق تعبير على أن شر البلية هو ما يضحك، فالولايات المتحدة والتي تملك أحد أخطر سجلات انتهاك حقوق الإنسان تدين أحكام القصاص!، ولن نذهب بعيدا فلدينا من التاريخ الحديث -جدا- ما يفي بالغرض، أين كانت حقوق الإنسان عندما تم احتلال العراق وتدميره عام 2003؟ وتحضرني هنا حادثة ذكرها اللواء بالشرطة العراقية (غازي عزيزة)، مفاداها اكتشاف قوات الشرطة قيام مجموعة مسلحة بإعدام عدد من شيعة العراق ورميهم في نهر دجلة، وعندما طالبوا القوات الأمريكية بالقبض عليهم تجاهلوا الطلب، وعندما استفسر بنفسه جاءته الأوامر على النحو التالي: «دع كل فئة تقضي على الفئة الأخرى!». من جهة أخرى، ألم تنفذ الولايات المتحدة نفسها حكم الإعدام في عدد من الإرهابيين الخطرين؟ منهم -على سبيل المثال لا الحصر- جون محمد المعروف بقناص واشنطن عام 2009، وماكافي عام 2001 بتهمة الضلوع في تفجيرات أوكلاهوما؟. المحور الأخير: الإيراني: لا شك أن المحور الإيراني هو أغرب المحاور على الإطلاق وأشدها إثارة للسخرية، ومن الصعوبة بمكان معرفة نوايا الساسة في هذه الدولة أو التنبؤ بأفعالهم، ففي رد فعل غير متوقع تسلط إيران أذنابها لانتهاك الحرمات الدبلوماسية عمدا في خرق غير مألوف للأعراف السياسية، ثم تتهم المملكة بتصعيد المواقف! وما تفعله إيران سبق وأن أشرت إليه في مقالات سابقة، ونعته بسياسية «الاستغباء»، وهو مسلك يقوم به رجال العصابات وقطاع الطرق، وليس الحكومات ورجال الدولة، وما تصدره إيران من ضجيج وصراخ تظن أنه سيؤتي مفعوله، غير أنها لا تدرك أن سياسة خلط الأوراق وقلب الحقائق لا تغير أبدا من وقائع الأمور في شيء. dr.mufti@acctecon.com

مشاركة :