رفض الجزرة ولم يخشَ العصا

  • 1/11/2016
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

لم نفِق بعدُ من صدمتنا برحيل النجم ممدوح عبد العليم حتى جاء خبر رحيل الفنان القدير حمدي أحمد. صحيح أن بين الفنانَين فارقًا في العمر الزمني يصل إلى ربع قرن، إلا أن ما يجمعهما شيئان، الأول هو أن كلاً منهما لم يخضع لقانون الحياة الفنية التي تعني أن تمنح مبادئ كثيرة إجازة مفتوحة، والثاني أن تضع نفسك وكل ما لديك لتُصبح فقط خاضعا لإرادة وقانون الحياة الفنية. كل منهما لم يترك رصيدًا ضخمًا بالعدد، وكل منهما في نفس الوقت لم يسوّق نفسه إعلاميًا ولم يكن يعنيه ذلك، كما أنه كان لديهما القدرة نفسيًا وماديًا على تحمّل تبعات الغياب القهري عن الساحة الفنية. الفارق أن حمدي كان له ذروة فنية واحدة لم يستطع تخطيها، وهي دوره «محجوب عبد الدايم» في فيلم «القاهرة 30»، بينما ممدوح كان لديه القدرة عل أن يقدم أكثر من ذروة إبداعية خاصة به، ولهذا لم يتم اختصار ممدوح في دور واحد، بينما حمدي أحمد ظل يعاني حتى رحيله من هذا النجاح الطاغي الذي حققه بتلك الشخصية الدرامية، هذا الرجل الذي كان يبيع زوجته لكي يصعد وظيفيا، وكانت قمة الانحطاط الأخلاقي كما كتبها نجيب محفوظ في روايته، وجسدها المخرج صلاح أبو سيف في الفيلم الشهير الذي شارك في بطولته عام 1966 كل من سعاد حسني وأحمد مظهر. كان هذا هو الضوء الساطع والقاتل أيضًا في نفس الوقت، كثيرا ما كان حمدي أحمد يغضب عندما يغفل الإعلام أدواره الرائعة في أفلام مثل «الأرض» و«العصفور» و«اليوم السادس» ليوسف شاهين، أو «أبناء الصمت» لمحمد راضي، وغيرها. قلت له مرة إن الدور صار مثل جبل شاهق يقف في مقدمة الكادر يحجب الرؤية عن حديقة غنّاء مرصعة بكثير من الأدوار الهامة التي تقع خلفه، كان من الممكن أن تضم هذه الحديقة دورا مميزا أداه على المسرح وهو الشاويش «عبد العال» في «ريا وسكينة»، إلا أن خلافا بينه وشادية بطلة المسرحية أدى إلى انسحابه وأُسند الدور إلى أحمد بدير، وتصور المسرحية تلفزيونيا ويعتقد كثيرون أنه دور بدير. الرجل دفع كثيرا بسبب مواقفه، فهو كان معارضا للرئيس المصري الأسبق أنور السادات في كثير من قراراته، وتحديدا في اتفاقية «كامب ديفيد»، ورشح نفسه في حي بولاق الشعبي بالقاهرة في الانتخابات، وهي من المرات القليلة التي ينجح فيها فنان بقرار الناس، في العادة كان الفنانون يتم تعيينهم، ولكنه اختار أن يأتي إلى المجلس بناء على طلب الجماهير وليس الحاكم. الدولة في العادة تريد الفنان الذي يردد فقط أفكارها، وكثيرا ما ضيقوا عليه الخناق في الأدوار المتاحة أمامه، خصوصا أن خلافه مع السلطة جاء في عز سيطرة الدولة على كل قنوات الإبداع، سينما ومسرح وتلفزيون وإذاعة، حيث لم يكن القطاع الخاص الفضائي قد بدأ بعد، الدولة تعودت طوال تاريخها أن يخضع لها ولإرادتها الفنانون والمثقفون، ولكن حمدي أحمد كان حالة استثنائية. تظل دائما الدولة هي الدولة والمثقف هو المثقف، القسط الوافر منهم يعلم ما لدى الدولة من أسلحة، وهي تمسك الجزرة بيد لتغريه بها، والعصا بيد لتخيفه منها. قطاع كبير من المثقفين والفنانين لا يزال مستعدا أن يرضخ لها. حمدي أحمد أراد فقط أن يكون نفسه، فلم ينتظر قضمة من جزرة، ولم يخشَ لسعات العصا!!

مشاركة :