عند وضع إيران محل مقارنة مع كوريا الشمالية من حيث الاستبداد السياسي ومحاولة امتلاك أسلحة نووية، نلاحظ أن الاهتمام العالمي ينصب على إيران بالرغم من أن كوريا الشمالية لم توقع على معاهدة انتشار الأسلحة النووية، ولم تخف برنامجها النووي بل تعلنه أمام الكل، وفي تجربتها الأخيرة على القنبلة الهيدروجينية مثال واضح. بينما إيران تعد عضوا في وكالة الطاقة الذرية وتسمح إلى حد ما بدخول مفتشيها إلى معاملها ومختبراتها، وكانت تسعى في السنوات الأخيرة لخلق نوع من التطبيع مع الغرب نجحت فيه مؤخرا بعد محادثات عديدة مع مجموعة 5+1 التي انتهت في يوليو الماضي بعقد اتفاق يعد كالانتصار التاريخي لإيران تندرج تحته بنود مهمة كبدء رفع العقوبات المفروضة على طهران والسماح لها باستيراد وتصدير الأسلحة. يأتي هذا الاهتمام العالمي ليس لفضائل إيران أو محاولتها لتحسين صورتها التي شوهها تراكم تاريخي ما، بل لأن لها أجندتها الخفية ومطامعها السياسية للتوسع في المنطقة الذي تعمل بأي طريقة لتحقيقه. المطامع الإيرانية في التوسع السياسي وفرض هيمنتها في المنطقة لم تكن وليدة الأحداث الراهنة، هذه المطامع تنبثق بالأساس من الدستور الإيراني الذي وضع بعد نهاية الثورة الإيرانية 1979، والإيمان بهذه الولاية السياسية على المنطقة كإيمانهم بولاية الفقيه الغائب. تتضمن المادة الـ152 من الدستور الإيراني في الفصل العاشر المتعلق بسياستها الخارجية هذه العبارة: "الدفاع عن حقوق جميع المسلمين"، وتنص المادة الـ154 على: "تعتبر جمهورية إيران الإسلامية سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل حقًّا لجميع الناس في أرجاء العالم كافة، وعليه فإن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم"، فهي هنا تشرعن ضمن أساسها للحكم أي تدخل لها في شأن المسلمين الذين تمتد بلادهم عنها في مختلف الاتجاهات، وتعد أن تدخلاتها في سياسات الآخرين نضالا مشروعا. وتؤكد المادة الـ11 من الدستور في أصوله العامة هذا الأمر بوضوح أكثر حيث تبدأ مستشهدة بالآية الكريمة: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، واصفة نية التدخل هذه (وحدة الأمة الإسلامية) بأنها ستكون في أشكال مختلفة: سياسية، اقتصادية وثقافية. وهذا ما تطبقه بالفعل من خلال هذه المحاور الثلاثة. في الجانب السياسي في الأطماع التوسعية لإيران في العالم نجد أنها توجه اهتماما خاصا من خلال مختلف "مؤسسات" الحكم في إيران لتعزيز هذه الفكرة. وتتضمن مؤسسات سياسية كالسلطات التشريعية الأربع، ومؤسسات عسكرية وأمنية، وأخرى اقتصادية وأخيرة اجتماعية ودينية. وتعد المؤسسات العسكرية والأمنية من أهم القطاعات التي تنفذ إيران من خلالها توسعها في مختلف البلاد كلبنان والعراق وسورية ودول الخليج واليمن، بالإضافة إلى أفغانستان وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابقة ذات الأغلبية المسلمة، خاصة قطاع الحرس الثوري الإيراني التابع للمؤسسة العسكرية والأمنية. يعرف الحرس الثوري الذي تشكلت نواته الأولى في الأيام الأخيرة لحكم الشاه بأنه مؤسسة متكاملة داخل مؤسسات الحكم في إيران، له استقلاله واعتباراته الخاصة، ويملك عددا من الأجهزة الداخلية والخارجية، وله عدة مسؤوليات ومهام جعلته الجهاز الأهم والأقوى في إيران لتلتف حوله الحشود الشعبية، ويلقى التأييد القوي لالتزامه بدور الحامي لنقاء الثورة الإيرانية الأصيلة والمتعهد بنشرها ولو بالقوة. وبهذا التمكن الشعبي استطاع ضمان الولاء له في الداخل بحشد التعاطف الشعبي والعسكري في ميليشيا شعبية تتكون من عدد من المتطوعين تعرف باسم "الباسيج"، وكذلك خلق الولاء في الخارج من خلال عدة أذرع وخلايا تجتمع على فكرة الأيديولوجيا الدينية التي تتبناها إيران (الولي الفقيه) والأحقية في التوسع السياسي الديني لضمان الهيمنة على العالم الإسلامي، ومن بين هذه الخلايا: الحوثيون، وحزب الله اللبناني، وقوات الحرس الثوري الذي يوجد عدد كبير من مقاتليه في سورية، الآن معظمهم خبراء وقادة ومدربون، ولواء الإمام الحسين التابع لجيش المهدي وغيرهم. وفي سبيل تحقيق سياستها التوسعية في المنطقة لا تتوانى إيران عن التعامل حتى مع من يختلف معها مذهبيا وأيديولوجيا، كتعاونها مع تنظيم القاعدة الذي نشرت تقارير استخباراتية أميركية بعض جوانبه، جاء هذا التعاون بصور مختلفة كتدريبها عناصر القاعدة في السودان أو على أراضيها، وسماحها بمرور بعض عناصر القاعدة لأراضيها بعد حرب أميركا على أفغانستان وبعد أحداث 11 سبتمبر، ويأتي على رأسهم أبومصعب الزرقاوي مؤسس القاعدة في العراق، وما أشار إليه تقرير خاص من لجنة الأمن القومي في الكونجرس عن تعاون خاص في سورية في أحداثها الأخيرة، وغيرها من صور التعاون بين قيادات إيرانية وأخرى تابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي. إضافة إلى هذا ما تقتضيه المرحلة من تعاون ودعم مشابه مع تنظيم داعش. هذا التعاون يبرره أنها تحاول لفت نظر العالم إلى هذه التنظيمات المعادية وإشغاله بالصراع معها بينما تستمر هي في تنفيذ أجندتها في دول الجوار، خاصة الدينية والثقافية والاجتماعية منها، وإظهار نفسها في صورة المنقذ والمخلص من جرائم هذه التنظيمات كما تفعل الآن في العراق وسورية عن طريق الحشد الشعبي. بالعودة إلى المقارنة بين كوريا الشمالية وإيران، يتضح أن كوريا الشمالية دولة مستبدة سياسيا وتناقض المعاهدات الدولية، لكنها لا تسعى إلى السيطرة على دول الجوار أو تتدخل في شؤونها السياسية أو الاجتماعية كما تفعل إيران، بل إن الأخيرة تراوغ كالثعالب على مدى عقود، وأصبح أذاها يطال استقرار جيرانها في المنطقة، وبات لزاما كشف مخططاتها وأساليبها التي تحاول فيها مد نفوذها السياسي. المؤسسات الأمنية والعسكرية متشعبة ولها أدوارها الواضحة، وكذلك المؤسسات الاجتماعية والثقافية والدينية تؤدي أدوارها التي تسهم في خدمة أفكار الثورة الإيرانية بالرغم من الصراعات الداخلية.
مشاركة :