مذهب حسن طواشي

  • 1/13/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أرسلَ إلي الشاعر حسن طواشي، شاعر شباب "عكاظ"، في الدورة العكاظية الأخيرة، نسخة من ديوانه المخطوط: "ذاكرة النسرين"، مؤملا أن يجد في ملحوظاتي فائدة أو إضافة، ولا أظن ذلك، فربما أفسدتْ ملحوظاتي النحوية والصرفية والتركيبية على شاعريته متعةَ تحليقها في فضاءاتٍ هي أعلى مما يستطيعه جيلنا بسنواتٍ سماوية. في أثناء قراءة الديوان، توقفت عند ظاهرة "الأنسنة"، التي تشعّ بها حروف القصائد وكأنها نورٌ يراه أعمى رؤيةً أولى، فوجدتها أكثر تأثيراً، وأبلغ في رفض الطائفية والكراهية والتصنيف والتكفير من مقالات وكتب رافضيها المباشرين كلّهم، وأعني بالأنسنة هنا: قيم التسامح والتآخي الإنساني، برغم اختلاف المذاهب والأديان والتوجهات والأعراق. الأنسنة عند حسن طواشي، مقصودة غير عفوية، وكأنّه يريد أن يضع قلوبنا - قبل أذهاننا - على أسباب فساد الأرواح، التي تجتمع – عنده - كلها تحت "الآيديولوجيا" بأشكالها ومرجعياتها المختلفة. الأنسنة الطواشية الشابة، تتجاوز التجربة اللغوية السائدة في كثير من تجارب الشعراء الشباب التي تُعد امتدادا لتجربة الحداثة العربية؛ ذلك أن القسم الأكبر من تجربة الحداثة - في القصيدة العربية - كان لغويّا، لا روحيا، ولا شاعريّا، ولا إنسانيا، بالمفهوم المذكور أعلاه. أنسنة طواشي هي معالجة روحية شاعرة للرواسب المتراكمة في العقل العربي الطائفي التصنيفي الحدي التفريقي الصراعي العدائي، وهي رواسب ثابتة ومتحكمة – شعوريا أو لا شعوريا – في الوعي الجمعي العام. وحين تكون المعالجة شعرا، فإنها تعني أن دواء الروح يكون من جنسها؛ أي علاج الروح بما تميل إليه الروح، وهو الشعر بوصفه وجه الجمال وهويته، وذلك يجعل العلاج أكثر تأثيرا ونجاعة منه بالفكر أو الحجاج؛ لأن من أعراض اللوثة الآيديولوجية أنها تجعل المصاب بها يصدّ عن أسباب إزالتها صدودا، جاعلا أصبعيه في أذنيه، وكارها حاقدا على كلّ من يقول له: دع عنك طائفيتك وعدائيتك وتكفيريتك؛ لأنه قد أفرغ ذهنه إلا من كلام غارسي الكراهية في رأسه وروحه. أما حين تأتيه المعالجة في إناء يحبه كلّ إنسانٍ سوي، وهو إناء القصيدة الجاذب، فإن روحه ستلين ولو لم يعترف بذلك جهارا. في قصيدة تفعيلية طويلة، عنوانها: "عطرٌ ييمّم الساقي"، تتجلى الأنسنة الطواشية منذ اللفظة الاستفهامية الأولى، وهي: "ما مذهبك؟"، ثم تسير إجاباتها في اتجاهات تهويمية شعرية متعرجة ومتداخلة ليست لها إجابة حدّية تحدد له مذهبا من المذاهب التصنيفية المعروفة، ليتلخص مذهبه في: السلام، والتآخي والتعايش الإنسانيين، وحب الخير والجمال والحياة، والميل إلى شيخٍ "ينسج الحرفَ الشفيفَ بإبرةِ التقوى". ومن إجاباته الشاعرة على: "ما مذهبك"، قوله: ما مذهبُك؟ همْسُ الأثير على شعورِ العشْبِ.. أو سِرُّ ابتسامِ سنابلِ الفلاّحِ.. في نِسَمِ الربيعْ وفي معرض إجابةٍ أخرى يقول مخاطبا سائله الطائفي: فاسكبْ جنونَكَ في غدي الآتي.. ودَعْ للعِطرِ آنيةَ الخلودْ فأنا أقاتلُ عن جنينِ الزّهرِ.. في رَحِم الوجودْ وعلى هذا النحو، يجمع طواشي بين: بلاغةٍ متعالية من حيث الصورة الذهنية المركبة، وتجربةٍ شعرية روحيّة نابعة من الذات، ولعل هذا ما جعل اللغة – عنده – تاليةً أو ثانية، وذلك لا يعني أنها ليست في قائمة اهتماماته. ليت المساحة كانت تكفي لعرض شواهد أكثر تجلّي الفكرة، ولكن "انتهت المساحة"، كما يقول علي الموسى. 153

مشاركة :