من منا لم تراوده الأحلام آناء الليل وأطراف النهار، من منا لم يستغرق فيها، جميعنا بلا استثناء مررنا بمرحلة الأحلام، ولا نزال، حتى غدت الأحلام بالنسبة للبعض بديلاً عن الواقع، حتى قيل إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحلم، ثم يصحو متتبعاً تفاصيل حلمه في دماغه، وباحثاً عما يطابقه في الواقع، بينما الحلم ليس سوى رموز وإيحاءات، وتنفيس عن مكبوتات دفينة، تعبر عن نفسها بحرية في فضاء النوم الشاسع، البعيد عن القيود والرقابة والممنوعات، كما ذهب عالم النفس الشهير فرويد! لطالما صحونا بأحلام مكتملة، كفاكهة ناضجة، تناولناها من شجرة النوم العميق، ولكننا كثيراً ما صحونا على غير ذلك، ألم نصحُ كثيراً بنصف حلم؟ ألم نحاول أن نكمل نومنا ليكتمل نصفه المبتور، إلا أن الأحلام المبتورة تظل هكذا، لا تكتمل أبداً! إن الأحلام عالم كبير شاسع، كالحب تماماً، وربما كانت الأحلام هي النصف الآخر للحب. فنصحو وفي قلوبنا آثار من حلم لذيذ أو مثير، أو ممتلئ بالوعود والخوف، أو مثير للاستغراب، أو مجرد أضغاث، لا رابط ولا معنى لها، لا نشغل بالنا بها غالباً، لكن في الوقت الذي تتبخر فيه أحلامنا هذه مع ارتفاع الشمس في سماء المدينة، يطارد البعض رموز أحلامهم المبعثرة عند مفسري الأحلام، ككتاب ابن سيرين، ركضاً في حقول الأمنيات، وبشارات الأحلام الزائفة. لا يزال الناس يلجؤون إلى هذه التفاسير، كما يلجؤون لقارئي الفناجين والأبراج، ليعثروا على طمأنينة زائفة، تتنافى مع العقل، وهذا بالضبط ما أسهم في رواج ثقافة الخرافة، والاتكاء على الأحلام والنجوم والأبراج، وما جعل بعض المشعوذين والمنجمين نجوماً ورموزاً في التاريخ والحياة الاجتماعية. وفي الوقت الذي جعل البعض من الأحلام خرافة وطريقاً للاستغلال، فإن أديباً كنجيب محفوظ، حوّل أحلامه إلى نصوص أدبية لا مثيل لإيجازها وفلسفتها، وتأثيرها الكبير في فن القص والكتابة، كما يظهر جلياً في كتابه الأخير، الذي نشره قبل وفاته «أحلام فترة المراهقة»! طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :