كنا صغاراً نجلس متسمرين أمام صندوق التلفزيون، ونحلم بامتلاك تلك الآلة، التي كان يتنقل بها «دكتور هو» بطل المسلسل الذي كان يعرف بهذا الاسم، وكنا حتى ذلك الوقت لم نركب طيارة بعد، ولم نجدف في فضاءات الدنيا، لكننا عرفنا آلة الزمن منذ ذلك العمر الغض، وكان السفر شاغلنا وحلمنا حتى وإن كان بين إمارة وإمارة، السفر المضاد للسكون، والمعادل الموضوعي للتنقل والحركة والتغيير والفرجة! وكنا نظن أن للسفر خمس فوائد ذكرها أشهر بيت شعر وهي: تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد إلا أننا عرفنا فيما بعد أن السفر والتنقل قد أصبحا حقاً منصوصاً في وثيقة حقوق الإنسان العالمية، حتى لقد كادت البشرية تختنق في عزلتها يوم فرضت علينا جائحة كورونا شروطها، وحبستنا كفئران تجارب، وأغلقت علينا بوابات المنازل ومنافذ المدن، ووحده السفر الذي اندفعنا له بكامل رغبتنا في الحياة، عندما تم تخفيف الإجراءات من أعاد إلينا الثقة بأن الحياة على ما يرام، فتنفسنا الصعداء، وحملنا حقائبنا وحلقنا بعيداً! لماذا يسافر إنسان اليوم؟ لأسباب كثيرة، نعرفها جميعنا، إلا أنه كان فيما مضى ترفاً يختص به الأثرياء وكبراء القوم والتجار والعلماء والحجاج، فقد صار اليوم احتياجاً حقيقياً، حتى إن أطفالاً لا يتجاوزون الثانية من أعمارهم يسافرون عبر الطائرات إلى كل مكان، بينما يقترح أطفال آخرون على آبائهم أمكنة للسفر، لقد تحول السفر إلى حاجة وحق وضرورة بالفعل. وبرغم كل ذلك إلا أن هناك من ولد وعاش في مدينته، لم يغادر نطاق منطقته وحيه، رغم أنه كان ملء السمع والبصر مثل الأديب المصري نجيب محفوظ، الذي سافر مرة ضمن وفد من الكتاب المصريين إلى كل من: اليمن ويوغوسلافيا في مطلع الستينيات، ومرة أخرى إلى لندن لإجراء عملية جراحية في القلب عام 1989، أما عندما نال جائزة نوبل 1988 فأرسل ابنتيه لتسلم الجائزة نيابة عنه، وجلس هو ليشاهد نقل حفل توزيع الجائزة عبر التلفزيون! طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :