وأنا أتجول بين أروقة معرض الشارقة للكتاب هذه الأيام، تستدعي ذاكرتي تلك الأيام البعيدة، في ذلك الزمن الذي كان يخيل لي أن الوقت كان مختلفاً وأن وقع سيره كان بطيئاً ومليئاً بالخيرات، هل كان كذلك فعلاً؟ ربما لم يكن، وربما كان، ولكن الذاكرة مخاتلة، وجبارة في آن واحد، فهي توقعنا في تصورات وتجعلنا نصدق، ونظل ننسج حول تلك التصورات حكايات وعلاقات وحياة، ومع مرور الوقت نصدقها تماماً! كنا ننتظر أيام معرض الكتاب لنسير بين ممرات المعرض منتشين بذلك الشعور الذي لا يزال كامناً فينا، شعور الاعتداد بأنفسنا كقراء، نعرف كيف نختار كتبنا، ونعرف كبار الكتاب ونواظب على شراء كتبهم: تولستوي، ديكنز، محفوظ، إدريس، الحكيم، منيف، قباني، تشيخوف، ديستويفسكي… في نهاية المساء وبعد أن ننفق آخر درهم ونملأ الأكياس بالكتب، نعود لمنازلنا ولا حدود لفرحنا الغامر. تتكرر زياراتنا ونظل نشتري الكتب من دون توقف، تلك الكتب التي صنعتنا، وأسست مكتباتنا الشخصية، اليوم وأنا أمشي بين الممرات نفسها، وأعرف الناشرين بأسمائهم وقد أصبح عدد منهم أصدقاء مقربين، اليوم أشعر بأن علي الاعتراف بأنني أدين بالفضل لهؤلاء الناشرين ولدور النشر ذات التاريخ الحافل بروائع الكتب، فلهؤلاء يرجع الفضل في تثقيفي وصنع ذائقتي ومراكمة معارفي من مراهقتي المبكرة وحتى اليوم. فمنذ ذلك اليوم الذي عرفت فيه الطريق إلى أول مكتبة خاصة ووقفت أمام أرفف تلك المكتبة التي تصل إلى السقف، أدير عيني دهشة مثل «أليس في مدينة العجائب»، منذ ذلك اليوم لم أتوقف عن القراءة ولم أتنقل إلا بصحبة كتاب، ولم أفرح بشراء شيء قدر فرحي بشراء الكتب، حتى تمنيت وأنا أجول العالم أن أجيد كل اللغات لأقرأ بعضاً من تلك الكتب التي لطالما اختطفت قلبي وأنا أراها مصفوفة في مكتبات رائعة، ولكنني لم أستطع قراءتها لأنها مكتوبة بلغة لا أعرفها. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :