بغداد أول نوفمبر 2022 (شينخوا) بعد عام من الخلاف السياسي العنيف الذي هدد بجر العراق إلى الفوضى والعنف، تشكلت أخيرا حكومة جديدة برئاسة محمد شياع السوداني، لكن مازال يتعين عليه مواجهة تحديات كبيرة تجعل مهمته صعبة، وفق محللين. فلا يبدو أن الطريق أمام حكومة السوداني، سيكون معبدا في ظل وجود عقبات ومشاكل سياسية وإقتصادية وأمنية وخدمية ستواجه هذه الحكومة الفتية وتثقل مسيرتها وربما تعرقل تحقيق الكثير من وعودها وما ورد في برنامجها الحكومي من أفكار ومشاريع طموحة. وصادق مجلس النواب العراقي مساء الخميس الماضي على حكومة السوداني، وبرنامجه الحكومي الذي يتضمن محاربة الفساد، ومعالجة مشاكل البطالة والفقر، وتحسين الخدمات العامة. كما تضمن برنامج الحكومة إصلاحات اقتصادية، خاصة في القطاعات الزراعية والصناعية والمصرفية، بالإضافة إلى معالجة القضايا العالقة بين بغداد وإقليم كردستان شمالي العراق. ومع ذلك، يرى محللون عراقيون أنه من السابق لأوانه رؤية كيف سيتطور الوضع لأن التحديات خطيرة للغاية بسبب الخلافات العميقة بين الأحزاب الشيعية منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في العاشر من أكتوبر 2021. وقال أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية ببغداد عبد العزيز الجبوري، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن "برنامج حكومة السوداني طموح للغاية، وقد لا يكون قادرا على تنفيذه خلال فترة وجيزة مدتها عام واحد، وحتى لو استطاع ذلك جزئيا فسيحتاج إلى تعاون ودعم الكتل السياسية". وأضاف أن حكومة السوداني التي بدأت خطواتها الأولى قبل أيام قليلة ستواجه سلسلة عقبات ومشاكل متراكمة يمكن أن تلقي بظلالها على عمل هذه الحكومة وإدارتها للملفات السياسية والاقتصادية والأمنية والخدمية. وأوضح الجبوري أنه على المستوى السياسي يتوجب على هذه الحكومة التعامل بحكمة مع الملفات السياسية الداخلية والخارجية لخلق نوع من التوازن في عملها وتجنب الوقوع في مطبات الوضع السياسي، الذي يعاني من انقسام داخلي. ويتمثل هذا الانقسام الداخلي في انسحاب الكتلة الصدرية بقيادة رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر من العملية السياسية بما تملكه من ثقل شعبي في الشارع العراقي يمكنه أن يغير أي معادلة سياسية، وفق الجبوري. وأشار أيضا إلى الملفات العالقة مع حكومة إقليم كردستان شمالي البلاد، ومن بينها قضية كركوك، التي يطالب الأكراد بضمها والمناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم وملف انتاج وتصدير النفط. وتابع الجبوري أنه على المستوى الإقليمي والعربي والدولي، يتوجب على حكومة السوداني أن تعمل على خلق سياسة متوازنة تخرجها من صيغة المحاور والاصطفافات التي شابت الحكومات السابقة، وخصوصا فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وهما الطرفان الفاعلان في الساحة العراقية، وكذلك العلاقات مع دول الجوار العربي وتركيا، والتي اتسمت بالتذبذب وعدم الاستقرار، الأمر الذي انعكس على العراق سياسيا واقتصاديا. واعتبر الجبوري أن ملفات الاقتصاد والخدمات وما تعانيه البلاد من مشاكل البطالة وسوء الخدمات في المجالات الصحية والبلدية والطرق والجسور والمدارس المتهالكة وسوء الإدارة والفساد المنتشر في الكثير من مفاصل الدولة هي عقبات أخرى تواجه حكومة السوداني وتحتاج إلى حلول عملية وليس مجرد وعود. بدوره، اعتبر أستاذ الاقتصاد في الجامعة المستنصرية ببغداد حسين لطيف أن محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين تعد واحدة من أهم العقبات التي تواجه الحكومة الجديدة. وقال لطيف إن على الحكومة أن تعمل بجد لتطبيق ما أعلنته في برنامجها الحكومي من أنها ستعمل على محاربة الفساد وإلا سيتحول الأمر إلى مجرد حبر على ورق وشعار مستهلك كما طرحته الحكومات السابقة. وتابع أن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة تسبب بهدر المال العام وضياع ثروات العراق وارتفاع معدلات البطالة والفقر بشكل كبير، كما تسبب بتدهور الخدمات التي تمس حياة الناس بشكل مباشر مثل الصحة والتعليم والكهرباء أحد الأسباب الرئيسية لتظاهرات عام 2019 والتي كان من نتاجاتها استقالة حكومة عادل عبدالمهدي. ورأى أن النجاح الحقيقي لحكومة السوداني هو تحقيق تقدم ملموس في محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، معتبرا أن تحقق هذا الأمر سيكسب السوداني وحكومته الاحترام محليا ودوليا. وأشار لطيف إلى أن هناك عقبة أخرى تواجه حكومة السوداني، وهي السلاح المنفلت وضرورة حصر السلاح بيد الدولة في ظل انتشار الكثير من الفصائل المسلحة. وتعرضت المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد، حيث مباني الحكومة والبرلمان ومقار البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية، مرارا لهجمات، بالإضافة لقصف معسكرات وقواعد الجيش العراقي بحجة وجود قوات أجنبية فيها، وذلك في عمليات تبنتها فصائل مسلحة. من جهته، رأى أستاذ القانون في الجامعة العراقية نجيب خلف أن الهدوء السياسي الحالي يشير إلى أن خصوم السوداني السياسيين يمنحونه الفرصة لتنفيذ برنامجه الحكومي. وقال خلف إن على السوداني أن يستغل الهدوء السياسي بإعطاء إشارات قوية بأنه جاد في تنفيذ برنامجه الحكومي الطموح لكسب ثقة الناس. وتابع "هناك حاليا وفرة مالية من عائدات النفط قد تمكن السوداني من تحقيق جزء كبير من برنامجه الحكومي"، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي أكد في خطابه الأخير أن حكومته ستنسحب واحتياطي العراق من النقد الأجنبي يبلغ 85 مليار دولار، فيما بلغت احتياطياته من الذهب 134 طنا. واعتبر خلف أن هذا المبلغ الضخم يمكن أن يساعد في إعادة إعمار البنية التحتية في العراق بعد أن يوافق البرلمان على الميزانية السنوية بمجرد تقديمها من قبل الحكومة.
مشاركة :