أزمة التضخم لم تنته بعد «2 من 2»

  • 8/11/2023
  • 23:44
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

من المؤكد أن النوبة الحالية من التضخم كانت مدفوعة أيضا بعوامل أخرى، مثل ارتباكات سلاسل التوريد المرتبطة بالجائحة، والحرب الروسية الأوكرانية، والتنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، والنزعة القومية الاقتصادية المتنامية التي انعكست على سياسات عريضة القاعدة، من خلال الإحكام السريع لسياساتها النقدية بغرض السيطرة على التضخم، ربما تسببت البنوك المركزية في تفاقم بعض هذه القضايا، الأمر الذي أدى إلى إشعال شرارة ضائقة مصرفية بل ربما حتى الركود. وتزداد الأمور تعقيدا لأن البنوك المركزية تواجه تحديات كبرى في محاولة حل ميزانياتها المتضخمة ومعالجة ما يرتبط بذلك من حوافز ضارة. أهدرت البنوك المركزية الفرصة للشروع في إحكام سياسات التيسير الكمي بجدية في العقد التالي للأزمة المالية العالمية. ثم، عندما انهار بنك سيليكون فالي في مارس وهدد بإشعال شرارة أزمة مصرفية، تدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي بتنفيذ جولة من التيسير الكمي التي أدت فعليا إلى عكس ثلثي الخفض المتواضع في الميزانية العمومية الذي بدأه في وقت سابق. كما تدخلت الحكومة الأمريكية وضمنت جميع الودائع في البنوك المتضررة، بصرف النظر عن وضعها وحجمها، وهذا يشكل سابقة خطيرة لعمليات الإنقاذ في المستقبل. في أوروبا، رغم الإحكام النقدي في المجمل، استمر البنك المركزي الأوروبي في إدارة سياسة تيسير كمي فرعية إلى جانب أداة حماية النقل، التي بموجبها يشتري السندات من الجهات السيادية الأعلى مخاطرة في منطقة اليورو مثل إيطاليا. في مجمل الأمر، في حين يوفر اتجاه التضخم الهابط واحتواء الأزمة المصرفية الوشيكة بعض الارتياح، لا تزال اقتصادات العالم الرئيسة تتصارع مع الحوافز المشوهة واختلالات التوازن المتأصلة الهائلة، التي لا يزال بعضها مستمرا في النمو. تتفاقم هذه العوامل بفعل الضغوط السياسية القوية التي تطالب بزيادة مشاركة الحكومة في الاقتصاد. في عدد كبير من الاقتصادات المتقدمة، تسببت استجابة الحكومة لأزمة كوفيد - 19، التي شملت التحويلات الحكومية والمنح المدعومة عبر البنك المركزي فضلا عن عدد كبير من الإعفاءات التنظيمية، في إيجاد مطالبات متزايدة بتدخل حكومي أوسع وحكومة أكبر حجما. رغم أن هذا ضروري في بعض المجالات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعجيل بالتحول إلى الطاقة الخضراء من خلال سياسات صناعية موجهة، فإن معالجة مشكلات مهمة أخرى، مثل فجوات التفاوت أو البنية الأساسية العتيقة، يجب أن تنفذ في إطار العمليات الحكومية وقيود الميزانية القائمة. تسبب التدخل المتنامي من جانب الحكومة في الاقتصاد أيضا في زيادة توقعات الدعم العام الإضافي وعمليات الإنقاذ، التي يعمل على تغذيتها ساسة شعبويون من كل من اليمين واليسار. بصرف النظر عن ميولها السياسية، لا يبدو أن أي حكومة على استعداد لقبول حتى ضائقة اقتصادية طفيفة في أيامنا هذه. لقد تسببت الأزمة المالية العالمية وأزمة كوفيد - 19 في إضفاء الطابع المؤسسي على عمليات الإنقاذ التي تنطوي ضمنا على خطر أخلاقي بعيد المدى. كانت تدابير حل الأزمات سببا في زيادة التركيز في القطاع المالي وأماكن أخرى، مثل صناعة التكنولوجيا المركزة بالفعل. علاوة على ذلك، كان في انتشار العملات الخاصة السريع تحد لسيادة البنوك المركزية النقدية، ما دفعها إلى تطوير عملاتها الرقمية الخاصة. وكما كتب أحدنا أخيرا، سيزيد هذا من بصمة البنوك المركزية في القطاع المالي. الواقع أن اقتران ظهور الحكومات الشعبوية، بالقومية الاقتصادية، والتدخلات من جانب البنوك المركزية، وأسواق احتكار القلة على هذا النحو من شأنه أن يقوض المبادئ الأساسية التي تقوم عليها رأسمالية ريادة الأعمال وأن يفتح الباب لحقبة جديدة من رأسمالية الدولة في مختلف أنحاء العالـم المتقدم. بسبب عزوف الحكومات الشعبوية عن زيادة الضرائب، من المرجح أيضا أن يستمر التمويل بالعجز وما يرتبط به من ضغوط تضخمية. في وقت يتسم بمستويات مرتفعة من خوض المجازفات وعدم اليقين على مستوى الاقتصاد الكلي والظروف الجيوسياسية، يجب أن يكون أي احتفال بالتقدم المحرز في مكافحة التضخم حذرا حقا. فلا يزال الطريق أمامنا طويلا. خاص بـ "الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2023.

مشاركة :