لم تسجل أي اختراقات داخلية في الجمود السياسي اللبناني، وهو ما يدفع اللبنانيين إلى التأقلم رويداً رويدأ مع الواقع السياسي المتمثل بالفراغ الرئاسي ووجود حكومة تصريف أعمال، بغض النظر عن مسار جلسات البرلمان الانتخابية التي ستكون نتائجها متشابهة في عدم القدرة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ووفق المسار ذاته ينخفض منسوب الاهتمام الدولي والإقليمي بلبنان في ظل أولويات أخرى ومتعددة أكثر أهمية بالنسبة إلى القوى الدولية. وظهر ذلك في التصريحات الجديدة التي أطلقتها مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف، التي نبهت إلى أن عدم انتخاب رئيس سيؤدي إلى «فراغ سياسي غير مسبوق وانهيار الدولة مجتمعياً». وقالت ليف إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن «وضعت خططاً لمساعدة لبنان إن كان عبر دعم الجيش اللبناني أو عبر تسهيل اتفاقيات الطاقة أو دعم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لكن كل هذه التدابير لن يكون لها تأثير ما لم يقم البرلمان اللبناني بعمله بانتخاب رئيس للجمهورية، وقد فشل النواب في ذلك». ويشير تصريح ليف إلى أنه لا تبلور لأي مبادرة خارجية من شأنها أن تنتج حلاً داخلياً، وأن عدم التزام لبنان بـ «شروط المجتمع الدولي» للخروج من أزمته، يعني أن البلد سيبقى متروكاً لمصيره بدون أي اهتمام خارجي، لا سيما أن الأميركيين لديهم أولويات متعددة أبرزها دولياً الحرب الروسية ـ الأوكرانية وتداعياتها بما في ذلك مواجهة ارتفاع أسعار النفط، وإقليمياً السعي لتحسين العلاقة مع السعودية، وكيفية التعاطي مع الملف الإيراني بعد محاولات إيرانية للعودة إلى المفاوضات النووية وسط الاحتجاجات التي يشهدها الداخل الإيراني. وفي المقابل، إيران لا تبدو قادرة على مواكبة التطورات اللبنانية، إذ لديها أولويات متعددة أيضاً، أهمها مواجهة الاحتجاجات والتحديات الأمنية سواء من ناحية كردستان العراق أم ناحية الحدود مع باكستان وأفغانستان، بالإضافة إلى المواجهات التي تخوضها طهران في المنطقة ككل. وهذه قد تدفع حزب الله إلى مزيد من التشدد رئاسياً على ضوء المواصفات التي وضعها أمين عام الحزب حسن نصرالله حول ضرورة انتخاب رئيس لا يطعن الحزب من الخلف، وبالتالي تبن علني لترشيح سليمان فرنجية للرئاسة لن يكون الحزب قادراً على التراجع عنه. وعلى وقع هذه الأولويات المختلفة، يواجه حراك فرنسا الدبلوماسي الساعي للوصول إلى تسوية، عراقيل على خطى طهران والرياض، إذ ترفض طهران الاستجابة لباريس بسبب موقفها الداعم للاحتجاجات، في المقابل، ترفض الرياض المحاولات الفرنسية الحثيثة لإقناعها بالتخلي عن بعض شروطها. وعكس لقاء فرنسي ـ سعودي في الرياض قبل أيام تم خلاله البحث في الملف اللبناني، الحيرة التي تعيشها باريس. فقد تضاربت التسريبات حول اللقاء بين معلومات أفادت بأن الفرنسيين حاولوا إقناع السعوديين بتبني خيار فرنجية، فيما معلومات أخرى تفيد بأن حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون تتمسك بضرورة انتخاب رئيس وسطي، قد يكون قائد الجيش جوزيف عون أو أي شخصية أخرى تتوفر فيها مقومات التوافق. عملياً، يبقى لبنان متروكاً لمصيره، أما المسار الوحيد للخروج من النفق فتمثل في قدرة القوى الداخلية على سلوك طريق مختلف عن المواقف المتضاربة والذهاب للبحث عن تسوية قد تستدعي اهتماماً خارجياً لتمريرها كما تم تمرير اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
مشاركة :