حيَاةُ الإنسَان لَم تَعُد مُرتبطة بالأمُور المُهمَّة، بَل أصبَحت وَطيدَة بالتَّفَاهَات، وقَد زَاد الجَفَاء بَين الحيَاة والأَولويّات، فالسَّجَائِر -مَثلاً- مِن أَبرَز التَّفَاهَات التي تُفرّقنا في المَجالس، وتُغيِّر نَمط حيَاتنا، وتَعْبَث بصحّتنا، واتّزان أَمزجتنَا، فأصبَحت السِّيجَارة التَّافهة تَقود النَّاس، وتَفرض عَليهم أجوَاءَها..! هُنَاك أَسئِلَة كَثيرة حَيَّرت العُلَمَاء والجُهلَاء، عَلى حَدٍّ سَواء، ولَم يَجدوا لَها إجَابَات حتَّى اليَوم، مِثل سُؤال يَقول: الإنسَان والسِّيجَار أيُّهمَا يَحرق الآخَر؟! أكثَر مِن ذَلك، كَتبتُ قصّة في تَغريدة عَلى النَّحو التَّالي: (سَألني: هَل تُدخِّن؟ فقُلت: بالطَّبع لَا، لَا أُدخِّن لأنَّ السُّعدَاء لَا يُدخِّنون). أنَا أَعنِي هُنَا السَّعَادَة الخَالِصَة؛ التي وَصفَهَا «نيتشة» بقَوله: (إنَّ أَفضَل أنوَاع السَّعَادَة، هي تِلك التي تَحصل عَليهَا مِن غَير مُؤثِّر خَارجي)..! ونَظرًا لأنَّ القصَّة لَاقت رَوَاجًا كَبيرًا، فقَد أَتبعتُها بقصّة أُخرَى تَقول: (سَألني: مَا هو الشّيء الذي نَبوسه ثُمَّ نَدوسه؟ قُلت: يَا ذَكي، إنَّها السِّيجَارة، تُقبّلها بفَمِك، ثُمَّ تَدوسها بقَدَمِك، وبعُنف، بَعد أَنْ تَمتصّ سمُومها)..! إنَّ السِّيجَارة -رَغم ضَعفها وقِلّة حِيلتها- تُجبر ذوي الشَّوارب الكثّة عَلى الخضُوع لَهَا، رَغم أنَّ كُلّ مَن تَفرض سِيجَارته السَّيطَرَة عَليه؛ شَخص ضَعيف الإرَادَة، لَا يَملك مَصيره بيَده، وغَير جَدير بتَحمُّل أَي مَسؤوليّة..! لِقَد سَألتُ مُدخِّنًا مُخضَرمًا عُمره 90 عَامًا، وقَد أَمضَى 70 عَامًا مِنهَا؛ وهو يُدخِّن بشَرَاهَة، مُشعلاً السِّيجارة مِن أعقَاب أُختها، قَائلاً لَه: لِمَاذا تُدخِّن يَا عَمّ؟ فقَال لِي: أنَا أُدخِّن -يَا بُني- لأنَّني لَم أَجِد الوَفَاء إلَّا في عَلَاقة الإنسَان بالسِّيجَارة، فهي تَحترق مِن أَجله، وهو يَموت بسَبَبهَا..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ أُذكّركم بأن لَا تَغترُّوا بأوهَام المُدخِّنين، ولا بإغرَاءَات النِّيكوتين، فالحيَاة زَهرَة جَميلة، لَا يَشمُّ رَائِحتها مَن يَسْعَل عَلى الدَّوَام..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :