تعمل دول العالم المتقدمة على خفض نسبة البطالة في دولها لتتسابق في ما بينها إعلاميًّا وذلك على الصعيد الإقليمي والدولي في نشر هذه النسب المنخفضة والتي تعكس طابع التحضر المدني للمجتمع والانتعاش الاقتصادي للدولة. كما تدل هذه النسب المتدنية على مؤشرات إيجابية تصب في مصلحة الحكومات القائمة وقدرتها على توظيف الباحثين عن عمل ونجاحها في تلبية احتياجات مواطنيها من توفير وظائف لخريجي الجامعات والمعاهد بشكل فوري من دون الحاجة إلى الوقوف في طوابير الانتظار. ومن أجل أداء هذا الواجب الوطني وتقليص نسبة البطالة، فقد تقرر بعض الحكومات زيادة نسبة التوظيف في القطاع الحكومي وهو الخيار الأول لمعظم المواطنين نظرًا إلى الانطباع السائد لديهم بشأن استقرار هذه الوظائف إن لم تكن ديمومتها. ولذلك قد تترتب أعباء متزايدة على الميزانية العامة للدولة وزيادة في أعداد الموظفين في الدوائر الحكومية من دون الحاجة عمليا إلى هذا الكم من الموظفين. ويلي ذلك حدوث مشاكل إدارية في المؤسسات الحكومية بشأن كيفية توزيع الأعمال بشكل متساو تارةً، وكيفية إرضاء مجموعة من الموظفين على حساب الآخرين تارةً أخرى. وقد يضطر بعض الإداريين في هذه المؤسسات إلى اتخاذ القرار الذي قد يتسم بنوع من الحكمة بتقليص نوع المهام التي تسند إلى بعض الموظفين كي يحافظ على تقدم مؤشرات الأداء المطلوبة والاعتماد على نسبة بسيطة من الموظفين والمختصين في تلبية أهداف المؤسسة وأداء المهام المطلوبة. في ضوء ذلك قد يصدح في أذهان بعض الموظفين حلم الانتقال إلى القطاع الخاص لما قد يتوفر فيه من فرص معيشية أفضل مثل الراتب المجزي والتأمين الصحي ومكافأة نهاية العام وما إلى ذلك من المزايا. وعلى أثره، ينتقل موظف ما من القطاع الحكومي ليكون عاملا أو موظفا في شركة خاصة بقطاع مؤسسي مغاير عما عهده في خبراته السابقة. وينتشر الخبر بين الموظفين فتحدث هجمة سريعة في اتجاه مرمى القطاع الخاص المنتعش والمزدهر في حقبة اقتصادية معينة. والجدير بالذكر أن أهم أولويات بعض الشركات الخاصة هي تحقيق أرباح عالية وسريعة بتكاليف تشغيلية منطقية وغير مبالغ فيها. فتضطر بعض الشركات إلى العمل لأوقات متأخرة وبساعات عمل إضافية تفوق 50 ساعة أسبوعيًّا ما يجهد الموظفين بدنيًّا ويرهقهم عقليًّا ويفككهم اجتماعيًّا. والأسوأ من ذلك، اضطرار بعض الشركات في مرحلةٍ ما للتخلص من بعض الموظفين ذوي الدخل المرتفع وذلك لتطبيق استراتيجية مجلس الإدارة الجديد والمتعلقة بتقليل التكلفة التشغيلية ابتداءً من قطاع الموارد البشرية. ثم قد يطرح السؤال التالي في أذهان من بخوضون تجربة العمل في القطاع الخاص، في إطار النظرة البراجماتية بالتفكير في حلم الاستقلالية الوظيفية ودخول عالم الأعمال الحرة من مشاريع خاصة ذات رأس مال أو مشاريع فنية ومهنية تتطلب مهارات عملية وتسويقية بعيدًا عن الخسائر المادية. فيتطلع الشخص إلى سوق العمل ليبحث عن فرصة لتأسيس عمله الحر والاعتماد على ذاته لتحقيق الارتفاع في دخله الشهري من دون اللجوء إلى منظومة الشركات أو المؤسسات من القطاع العام أو الخاص. وهنا تبدأ مرحلة العصامية ليعتمد الشخص على نفسه في سوق يصارع فيه الكثيرون من أصحاب الأعمال في بيئة تسودها أجواء الشدة في الطابع التنافسي. ولابد أن أنوه أن هذه البيئة التنافسية الحادة هي بيئة صحية للنهوض بمستوى وأسعار الخدمة المقدمة. وقد يجد الشخص نفسه خارج هذا المعترك لعدم مواكبته المستوى التنافسي مع قدامى المنافسين في هذا المجال ما يسبب حالة من الارتباك والشعور بالإحباط بعد مروره بتجربة التحولات بين العمل الحكومي والعمل الخاص والعمل الحر، لكن المهم ألا يسقط الراية ويستمر في حمل مشعل العمل المضني لأن هذا هو ناموس الحياة، فلا يعني الإخفاق في تجربة عملية ما التوقف عن خوض تجارب جديدة يتم استثمار الخبرات السابقة فيها. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فالقناعة كنز لا يملكه إلا من آمن بحكمة الله قولًا وعملًا فيما قُسم له من رزق في مسيرة الحياة. والصبر هو مفتاح الفرج فلا تستعجل في قرارك وصابر على ما أوتيت فنعم خير الأمور هي ما تملك اليوم، وغدًا هو طريقك إلى المستقبل، فاستعن بالله ولا تعجز واحتسب خيرًا. { باحث في شؤون الطاقة a.s.civil.88@gmail.com
مشاركة :