الانقسامات الجيوسياسية الأخرى تظهر أيضا بجلاء، بما في ذلك الانقسامات بين الدول الغنية والفقيرة، وبين الدول التي تدعم نظاما دوليا قائما على القواعد وتلك التي لا تدعمه. وليس الأوتوقراطيون وحدهم من يشعرون باستياء عميق إزاء الأعراف والمؤسسات الدولية القائمة. إذ يعزو عديد من الناس في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، سيطرة ما بعد الاستعمار، والمعايير المزدوجة، والإهمال لمخاوف الدول النامية، إلى النظام الذي يقوده الغرب، وليس إلى المبادئ الليبرالية والتعددية. ومع ذلك، على الرغم من انشقاق عديد من الدول عن النظام الدولي القائم وأوصيائه الفعليين، فإن هذه المجتمعات لا تنظر بالضرورة إلى العالم من خلال عدسة "الغرب ضد بقية العالم". ورغم أن الأوتوقراطيين التعديليين يصورون النضالات الجيوسياسية المعاصرة انطلاقا من هذا المفهوم، فإن عديدا من المشاركين في الاستطلاع في البرازيل، والهند، وجنوب إفريقيا، ليس لهم التصور نفسه. كما أن الانشقاق عن النظام العالمي لا يترجم بالضرورة إلى دعم التحريفية المتعصبة. وعندما طلب منهم تقييم جاذبية القواعد التي شكلتها في الغالب روسيا والصين، مقارنة بـتلك التي وضعتها الولايات المتحدة وأوروبا، أظهر المشاركون في الهند، والبرازيل، وجنوب إفريقيا، تفضيلا واضحا للأخيرة. وعلى غرار ونستون تشرشل، يبدو أن عديدا من الدول ترى أن النظام الدولي الليبرالي القائم على القواعد أسوأ أنواع الأنظمة. ومع اختلاف الشواغل والانقسامات، فإن مجرد الدفاع عن الوضع الراهن ليس خيارا للقوى التي تريد أن تسود القواعد والمبادئ الديمقراطية الليبرالية، بل يجب أن تحسن الديمقراطيات الليبرالية على وجه السرعة من رؤيتها للنظام الدولي. ولجعل النظام الليبرالي أكثر جاذبية لدائرة عالمية ذات نطاق أوسع، يجب أن يتجاوز دعاة هذا النظام المنظور الضيق للمنافسة النظامية. فلى الرغم من أن التنافس بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية هو إحدى السمات المميزة للسياسة العالمية اليوم، إلا أنه يجب عدم التغاضي عن الانقسامات العديدة الأخرى التي تشكل الرأي العام. وفقط من خلال المساءلة عنها، يمكن للديمقراطيات الليبرالية أن توضح كيف ستعالج قواعدها الدولية المنقحة مخاوف الناس المشروعة. ويشير تقرير ميونيخ الأمني إلى بعض الأسئلة الرئيسة. كيف يمكن إصلاح نظام التجارة العالمي لتعزيز الرخاء المتبادل وتخفيف نقاط الضعف التي تنتج عن الترابط العالمي؟ كيف يمكن لمعايير حقوق الإنسان وآليات الإنفإذ أن تربط حماية الحريات الفردية بمفاهيم جماعية للرفاه بصورة أفضل؟ والأهم من ذلك، كيف يمكن للنظام الدولي الليبرالي أن يمثل تمثيلا أفضل عديدا من الدول التي كانت حتى الآن جزءا من صانعي القواعد؟ إن الفظائع والتكاليف الناجمة عن الآلة الأوكرانية تظهر أن النظام الدولي لا يحتاج قطعا إلى مراجعة. لكنه في حاجة ماسة إلى "إعادة تصور" للمؤسسات والعمليات والأطر الرئيسة، حتى يدعم بصورة أفضل المبادئ التي أسس عليها. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :