«أسمع صدى صوتك مع ضجة الناس»، قصيدة من روائع الشعر كتبها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، و«صوتك يناديني تذكّر» واحدة من عيون القصيد كذلك كتبها الأمير بدر بن عبدالمحسن، وكأن بالشاعرين قد سكبا فيهما ما يدور ويعتمل في أعماق كثيرين من محبي الشعر. هذه القصائد وغيرها في ذات الغرض لامست المشاعر بما حملته من مضامين إنسانية، فمن منّا لا يشتاق إلى صوت يحبه، أو يحنّ إلى نغمة أثيرة وقريبة إلى روحه، من منّا لا يعشق صوتاً بعينه، أو يأنف من آخر لا يصل إليه إحساسه، وبه لا يشعر. هناك أصوات نحبّها، وبها نتعلق، وأخرى لا نطيق سماعها ومنها نهرب إلى مناطق بعيدة من الهدوء والسكينة، أصوات لو اقتربنا منها لربما سببت لنا صمماً نفسياً لأننا لا نحبّها، نحن مرتبطون بما يلامس أرواحنا شغفاً ومحبة. الأصوات التي تقتات عليها أسماعنا، هي ذاتها التي تبعث فينا الفرح كما الحزن نتعايش معها ونحفظ لحظاتها بكل ما فيها من تفاصيل تتفاوت دقةً ورقةً وحدّة، ونحن في انغماسنا بمحبتها والتعلق بها، لا نلتفت إليها كثيراً عتاباً أو تأليباً أو لوماً إذا ما تجاوزت حدود المساحة الرقيقة، وصارت أقرب إلى الضجيج، يقال بأن «عين المحب عن كل عيب غضيضة»، وأجزم كذلك أن الصوت يتبع العين في هذا الإيثار الجميل. قد نتعلق بزقزقة العصافير في الصباح، هي أصوات الطبيعة التي تُلهمنا الحب، وتستقبلنا عند انبلاج الضوء ناثرةً موسيقاها الرقيقة في الأجواء حتى لكأنك تشعر وأنت تسمعها بأنك في حالة توحد معها، ومع الأزهار والأشجار ذلك لأنها أصوات قريبة منك وفيّةً ونديّة. وقد نتعلق بصوت قارئ للقرآن الكريم دون غيره، لأن هناك أصوات لها فعل السحرِ على من يسمعها، بينما لا يستسيغ بعضنا أصوات أخرى ذات مكانة وقيمة، هو الحب وحده من يفعل ذلك، تماماً كما يفعل بنا حين نشتاق أو يأخذنا الحنين ونروح في غيابةْ الشوق يأكل أرواحنا، ويقتات على صبرنا الشفيف. إن الحب يترك العميق من الأثر عندما يتداخل في أعماقنا أكثر من صوت يتقارب مع آخر، مع آخر، كلها تعنينا، وتأخذنا، وتسافر بنا، وتذهب لتعود، تلعب معنا لعبة الوقت، والأثر، والاحتياج، كذاك الذي يلهبك صوت غيابه فتغدو عطِشاً في حاجة إلى لحظة بها، تسمع، لتُصغي، لتعيش حالةً تخصك وحدك.
مشاركة :