الحكومة الجزائرية تستغل الهدنة الاجتماعية لتمرير قوانين سالبة للحقوق

  • 12/28/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تضمن مشروع قانون عرضته الحكومة الجزائرية تحت عنوان “الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها” قيودا مشددة على ممارسة الحق في الإضراب، وتضمن هذا المشروع الذي من المرجح أن يثير جدلا على الساحة الجزائرية سلسلة من العقوبات بحق المضربين بعضها ذو طابع جزائي. الجزائر - فرضت الحكومة الجزائرية قيودا جديدة على ممارسة العمل النقابي من خلال حزمة من الاشتراطات طالت الإضرابات، وذلك تحت ذرائع مختلفة من بينها الحد من الإضرابات العشوائية، والحرص على عدم توظيفها سياسيا. وجاءت خطوة الحكومة ضمن مشروع قانون يتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها، والذي تقول إن الهدف منه هو “الالتزام بخلق بيئة اجتماعية لا يتم فيها اللجوء إلى الإضرابات، إلا كملاذ أخير”. ويرى نشطاء حقوقيون أن فرض قيود جديدة فيما يتعلق بالإضرابات، كانت خطوة متوقعة لاسيما بعد توجيهات الرئيس عبدالمجيد تبون الذي طالب فيها الحكومة بضرورة وضع قانون يحدد اختصاصات وحدود ممارسة العمل النقابي، تفاديا لما أسماها بـ”التداخلات”، كما أثبتته التجارب السابقة، وفق تعبيره. ويشير النشطاء إلى أن السلطة الجزائرية ممثلة في رئاسة الجمهورية والحكومة تعملان معا على استغلال الهدنة الاجتماعية القائمة حاليا لتمرير عدد من مشاريع القوانين التي تستهدف المس من الحريات المدنية والنقابية. الإضراب غير قانوني إذا كان يهدف إلى تلبية مطالب سياسية، أو مفاجئا، أو له غرض أجنبي عن المصالحة المهنية ويلفت هؤلاء إلى أن طرح مشروع قانون الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل جاء في خضم انشغال القوى الحية بجملة القرارات التي تم اتخاذها في علاقة بزيادات في الرواتب والمعاشات ومنحة البطالة، حيث تدرك السلطة أنها لن تسجل أي اعتراضات عليه. ودافعت وزارة العمل الجزائرية على مشروع القانون المثير للجدل قائلة إنه “يندرج في إطار تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية التي أسداها خلال اجتماعات مجلس الوزراء التي انعقدت في الثالث من يوليو والثالث والعشرين من أكتوبر، حيث طلب تحديد مفهوم الإضراب في مجال العمل، وتحديد شروطه ومعاييره القانونية من خلال ضبط آليات أكثر مرونة للحوار الاجتماعي”. وقالت الوزارة إن المشروع يتضمن تدابير تشجع على التسوية السلمية للنزاعات الجماعية عبر تدعيم أنظمة المصالحة والوساطة والتحكيم، إضافة إلى تعزيز الثقة بين الشركاء الاجتماعيين وتحسين الظروف لصالح ورشة الإصلاح الاجتماعي الكبرى مع مراعاة الانشغالات التي سجلها المجتمع وآثار النزاعات الجماعية للعمل المتعددة وأثرها على الاقتصاد الوطني والسلم الاجتماعي. واعتبرت أن المشروع يدعو إلى الالتزام بخلق بيئة اجتماعية لا يتم فيها اللجوء إلى الإضرابات إلا كملاذ أخير، بعد استنفاد طرق التسوية الودية من خلال الحوار والتشاور والتفاوض الجماعي، واحترام الإجراءات القانونية لممارسة حق الإضراب بشكل قانوني ولتجنب الإضرابات الفوضوية، لاسيما في المصالح الأساسية، على أن يحفظ الحق في الإضراب والحق في العمل وإيجاد توازن مع الحقوق الأخرى ذات القيمة الدستورية ومنها استمرارية الخدمة العمومية وحرية المقاولة وحرية العمل. ولئن كرّس نص المشروع فكرة الحق في الإضراب كحق أساسي، فقد تم التشديد على ممارسته “قصد وضع حد للاستعمال غير القانوني لهذا الحق وإخراج عالم الشغل من دوامة الإضرابات العشوائية والمفاجئة التي لها عواقب ضارة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد”. ويشير مشروع القانون إلى أن “ممارسة الإضراب يجب أن تكون متطابقة مع متطلبات المؤسسة واستمرارية الخدمة العمومية، بمجرد استنفاد وسائل تسوية النزاع الاتفاقية أو القانونية، وعليه يترتب على ذلك أن أي توقف جماعي عن العمل لا ينطبق عليه هذا التعريف، يعتبر إضرابا غير قانوني”. Thumbnail واعتبر القانون أن الإضراب يعد غير قانوني إذا كان يهدف إلى تلبية مطالب سياسية، أو لمدة محددة، مفاجئا أو متقطعا أو تضامنيا، أو له غرض أجنبي عن المصالحة المهنية للعمال، أو الذي تتم ممارسته دون احترام للإجراءات القانونية والاتفاقية، أو إذا تبعته أعمال عنف واعتداءات وتهديدات ومناورات احتيالية بهدف المساس بحرية العمل أو تحريض العمال الأجراء غير المضربين على الانضمام إلى توقف عن العمل متفق عليه. وطرح المشروع قواعد جديدة تتعلق بممارسة حق الإضراب، إذ ينص على أن قرار الإضراب يجب أن يُتخذ عن طريق التصويت السري بالأغلبية المطلقة للعمال الحاضرين في جمعية عامة تضم ثلثي العمال الذين يتكون منهم العمال المعنيين على الأقل، على أن يثبت بمحضر قضائي وبحضور ممثلي المستخدم أو السلطات العمومية المختصة. وحدد المشروع لأول مرة مضمون الإشعار بالإضراب من أجل “وضع حد للإضرابات الفوضوية” كما يصفها، وفي هذا الإطار، يجب أن يتضمن الإشعار اسم المنظمة النقابية التمثيلية أو ممثلي العمال المنتخبين في حالة عدم وجود تمثيل نقابي، وكذلك لقب واسم وصفة عضو هيئة القيادة أو الإدارة للمنظمة النقابية التمثيلية أو ممثل العمال المنتخب الموقّع على الإشعار، مدة الإضراب وسببه ومكانه وتاريخ الشروع فيه وتوقيته. وينص المشروع على “أنه باطل وعديم الأثر، أي إشعار لمنظمة نقابية لم يتم إثبات وجودها القانوني أو تمثيليتها”، ويوضح المشروع أيضا أن “الإشعار يبدأ من تاريخ إيداعه لدى المستخدم ومفتشية العمل المختصة إقليميا”. المشروع المطروح من المرجح أن يثير ردود فعل من القوى المجتمعية والنقابية لما تضمنه من قيود كثيرة تحول دون ممارسة أحد أبرز الحقوق التي كفلها الدستور والقانون الدولي ولا يكفل الحق في الإضراب حماية العمال الأجراء المشاركين في إضراب “غير قانوني”، كما يجب على العمال المضربين العودة إلى العمل في غضون 48 ساعة، ويتعرض العامل الذي لا يستأنف عمله في نهاية هذه الفترة دون سبب شرعي لتطبيق الإجراءات التأديبية. ويمنع مشروع القانون اللجوء إلى الإضراب في ميادين الدفاع والأمن الوطنيين، وللمستخدمين الذين يمارسون وظائف السلطة باسم الدولة في القطاعات الإستراتيجية والحساسة السيادية وفي المصالح الأساسية ذات الأهمية الحيوية للأمة. ونص المشروع على عقوبات في حالة مخالفة أحكامه، لاسيما عند عدم احترام آجال الاجتماعات الدورية وخرق إجراءات تسوية النزاعات الجماعية، وعدم تنفيذ اتفاقات المصالحة والوساطة وأحكام التحكيم، كما تم إدراج أحكام جزائية أخرى لمعاقبة التوقف الجماعي والمتفق عليه عن العمل المخالف للأحكام القانونية، أو في حالة إتلاف أثناء الإضراب لأي أغراض أو آلات أو مواد أو سلع أو واجهة أو أدوات تابعة للهيئة المستخدمة أو المصحوب بالعنف، أو الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات أو في حالة مناورة احتيالية أو تهديد أو عنف، أو في حالة عدم تطبيق القدر الأدنى من الخدمة أو أمر التسخير. وتضمن التشريع الجديد ممارسة الاقتطاعات المالية من الراتب، مشددًا في المادة الـ55 على أن أيام الإضراب لا تؤدي إلى تقاضي الراتب بسبب غياب الخدمة نتيجة ذلك. في مقابل ذلك يمنع أي انتداب لاستخلاف العمال المضربين ما عدا في وجود تسخير من السلطات العمومية في حالة رفض العمال ضمان الحد الأدنى من الخدمة المنصوص عليها في التشريع. ويرجح أن يثير المشروع المطروح ردود فعل من القوى المجتمعية والنقابية لما تضمنه من قيود كثيرة تحول دون ممارسة أحد أبرز الحقوق التي كفلها الدستور والقانون الدولي. وسبق أن تعرضت السلطات الجزائرية لانتقادات من قبل مكتب العمل الدولي بشأن التضييق على الحريات النقابية والحقفي الإضراب.

مشاركة :