خديجة المغربية رئيسة للبرلمان الهولندي

  • 1/22/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أن الأرض لا تتوقف عن الدوران، فلا بيت ولا حجر ولا دولة غيرت مكانها. الإنسان وحده هو الذي يعبث بخطوط الطول والعرض. يرسم حدوداً ويمحو حدوداً، بالسياسة تارة وتارة بالحرب. معاهدات تكتب بالحبر لكن بعد أن يجف الدم. الأرض المسكينة وجدت ليعمرها الإنسان، يسكنها، يعمرها، يزرعها، تشهد القتل، تشرب رغماً عنها الدم، وبين شقوقها تنبت شقائق النعمان لكن الإنسان لا يتعظ، يواصل تدمير ما بنى ويحفر قبوراً لأخيه الإنسان. قدر أرضنا العربية أن تكون ساحة للشيطان. فما ارتاحت يوماً من وقع أقدام خيول الغزاة ولا ثقل جنازير الدبابات، مغول وتتار ورومان وإنجليز وفرنسيين وأميركان، وها هي تئن تحت سكين التقسيم والتفتيت فيما إنسانها إما ميت وإما ينتظر الموت، وإما نازح داخل وطنه وإما لاجئ في بلاد الله الواسعة يبحث عن ملاذ، متسولاً لقمة خبز وقطعة جبن ووطن. بريطانيا تستحضر روح مواطنها (مارك سايكس) وفرنسا تستحضر روح (فرانسوا بيكو)، وواشنطن تمهد لتقسيم الدول العربية بين الثلاثة، وتأتي روسيا لتحصل على الجزء المتبقي من الكعكة. فقد انتهت صلاحية تقسيم سايكس - بيكو بعد أن أدت الغرض منها، ولا بد من تقسيم جديد للدول العربية. أما فزاعة الإرهاب الذي اخترعوه وسمّنوا سفاحيه ومرتزقته، فقد أدى الغرض المطلوب منه، وحان الوقت لإعدامه. وهذا يعني تسليم الشرق الأوسط إلى الكبار فقط، لإجراء التقسيم حسب مصالح القوى الكبرى. فهي التي خططت ودعمت وأشعلت المنطقة بالسلاح وبالمال. وهذا ما يؤكده جيمس وولسي رئيس الاستخبارات الأميركية السابق الذي قال بوضوح في معهد الصحافة الأميركية: المنطقة العربية لن تعود كما كانت.. وسوف تزول دول وتتغير حدود دول موجودة الآن على الخارطة. وهو نفس المعنى الذي قاله مارك رجيف المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية: المنطقة على صفيح ساخن.. ونحن لن نسكت وننسق مع أجهزة الاستخبارات في الدول الكبرى للقضاء على الإرهاب. وسوف نتدخل معهم في الوقت المناسب حتى لو اندلعت الحروب لنضمن حماية إسرائيل. لكن الإنسان العربي لا يقسّم بل يتأقلم حسب الظروف ويتفوق على الآخرين وعلى نفسه. ولنا في الفلسطينيين مثال. فهم يقتلون ولا يموتون ويزفون الشهيد كعريس. يستخدمون الحجر كسلاح وبعده سكاكين المطابخ، ومن يدري ماذا سيستخدم بعد ذلك، إذا استمر الغازي الإسرائيلي في احتلال أرضه، ربما رباط حذائه لشنق عدوه. كما لنا في هؤلاء الذين هاجروا من أوطانهم طلباً للحرية أو الرزق مثال. آخر هذه الأمثلة المغربية الهولندية خديجة عريب التي انتخبها البرلمان الهولندي رئيسة له الأسبوع الماضي. وقد جاء هذا الاختيار الذي يرافقه جدل من طرف القوى المتطرفة ليبرز مدى نجاح بعض المهاجرين المغاربة والعرب في اقتحام مجال السياسة في دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا. خديجة عريب تنتمي إلى الحزب العمالي الهولندي، وكانت نائبة في الغرفة الثانية منذ مايو 1998، ولهذا تعتبر أقدم نائبة في البرلمان الهولندي حتى الآن. ويوم 14 يناير الجاري تحولت إلى رئيسة لمجلس النواب بعدما حصلت على 81 صوتاً مقابل 53 لمرشح اليمين في الجولة الرابعة من التصويت. حصلت خديجة على أصوات نواب من أحزاب أخرى بحكم أن الحزب العمالي لديه 36 نائباً في البرلمان فقط. ورحب نواب من أحزاب أخرى بخديجة عريب، لأنهم رأوا في اختيارها رئيسة لثالث مؤسسة سياسية في البلاد، رسالة إدماج سياسي، وخطاباً موجهاً إلى اليمين المتطرف الذي يعمل على بث التفرقة والعنصرية في هولندا وأوروبا. وبهذا تحولت خديجة عريب إلى المسؤولة الثالثة في دولة أوروبية وهي هولندا، وهذا ما جعل حزب الحرية ذا الأطروحات العنصرية يشن حملة ضد هذا الاختيار، متهماً خديجة بازدواجية الجنسية، الهولندية والمغربية. خديجة ليست الأولى، فقد وصل مغاربة إلى مناصب وزارية في دول مثل بلجيكا وهولندا وفرنسا، خصوصاً مع حالتي رشيدة داتي وزيرة العدل السابقة والناطقة السابقة باسم الحكومة الفرنسية، ووزيرة التعليم الحالية نجاة بلقاسم، لكن هذه أول مرة تتولى مغربية رئاسة المؤسسة الثالثة في البلاد، وهي مجلس النواب أو الغرفة الثانية في دولة أوروبية. كما برز اسم أحمد بوطالب الهولندي من أصل مغربي الذي شغل منصباً وزارياً قبل انتقاله إلى رئاسة بلدية روتردام، واعتبره الهولنديون في استطلاع رأي السنة الماضية الشخصية التي كانوا يتمنونها لشغل رئاسة الحكومة. وتعتبر هولندا من الدول الأوروبية الأولى التي عملت على إدماج المهاجرين سياسياً ومنهم المغاربة منذ بداية التسعينيات، من خلال وصول محمد الرباع عن حزب الخضر إلى البرلمان الهولندي سنة 1994، ليتبعه مغاربة آخرون ومنهم علي الأزرق. وتعتبر هولندا وبلجيكا الدولتان اللتان عملتا على منح المهاجرين ومنهم المغاربة، بحكم أعدادهم الكبيرة، أعلى نسبة من المناصب السياسية مقارنة مع باقي الدول الأوروبية. تكيف وتفوق الإنسان العربي في العالم، وللأسف بعيداً عن الأرض العربية، ليس جديداً.

مشاركة :