عندما تتجه البوصلة شرقاً؟ فهذا بالتأكيد مؤشر على توسيع دائرة الشراكات الدولية، بشكل يتجاوز الآحادية القطبية في تلك العلاقات، باتجاه المزيد من التحالفات ذات الطابع الاستراتيجي بعيد المدي، وهو الأمر الذي تسعى له الصين الآن في علاقتها مع المملكة، بشكل سينعكس إيجابياً على الكثير من النواحي الاقتصادية والتقنية والثقافية داخلياً ومنها خيارات القرار السياسي المحلي. الصين دولة عريقة عظمي، وإحدى الدول الخمس في مجلس الأمن، وهي من أنجح الاقتصادات العالمية التي انعتقت من ربقة الاقتصاد الشيوعي وتحولت إلى اقتصاد السوق المفتوح بأقل عدد من الخسائر. وإن كانت الصين مقصاة عنا على المستوى الثقافي خلف الستار الحديدي والحاجز الأيدلوجي، إلا أن المملكة تمثل الرقم الأول في التعاملات البترولية لدى الصين حيث مايقارب 16% من بترول المملكة يتجه للصين. بينما تمثل المملكة أكبر شريك تجاري للصين في غربي آسيا وإفريقيا لمدة 12 عاماً على التوالي، بتبادل تجاري يصل إلى نحو 70 مليار دولار سنويًا. إضافة إلى مشروع مصفاة ينبع، والشراكة بين الصين وشركة "أرامكو" في مشروع "مصفاة سينوبك"، وشراكة "سابك" في كل من مدينة "تينجين" و "شنغهاي" ومقاطعة "فوجيه". الشراكة الاقتصادية الهائلة حتما تتطلب نوعاً من الانفتاح الثقافي على هذا البلد العريق وتنقية درب الحرير الذي امتلأ بالأساطير وبالمنتجات الهشة القابلة للكسر، والذهاب إلى عمق الثقافة، وحيث 120 مليون مسلم صيني، قد يكونون أرضية لكثير من المشتركات الثقافية. وتعد منطقة نينغشيا مهد مترجمي اللغة العربية فى الصين. وتحتشد بالمدارس والمعاهد والمساجد والجامعات التي تقوم بتدريس اللغة العربية للصينيين. ويرى البعض أن اهتمام منطقة نينغشيا باللغة العربية يعود إلى تاريخ بعيد حيث كانت منطقة نينغشيا من النقاط التي يمر بها طريق الحرير والذي كان يسلكه التجار العرب والفرس في رحلاتهم التجارية، مما جعل أبناء المنطقة يتعلمون اللغة العربية حتى تسهل عليهم عملهم التجاري مع العرب. وأول وفد عربي وصل للصين كان عام 651 م في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومع بداية انتشار الإسلام وظهور القوميات المسلمة فى الصين زاد اهتمام المنطقة باللغة العربية فثلث سكان منطقة نينغشيا من المسلمين. ويهتم أبناؤها بدراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية. وجامعة بكين هي أول جامعة صينية أنشئ فيها تخصص اللغة العربية عام 1946، لتنشر بعد ذلك أقسام اللغة العربية في 35 جامعة في الصين، مع العديد من المساجد والمعاهد العليا، والدورات القصيرة. تزامن جميع ما سبق مع تأسيس الصين (صندوق طريق الحرير) وهو الصندوق الذي يشير سفير الصين في المملكة بأنه صندوق يسعى إلى إعادة إحياء طريق الحرير البري والبحري عبر خمسة مجالات رئيسية للتعاون (البنية التحتية - تنشيط التجارة - تسهيل التواصل والتبادل المالي – التبادل الحضاري – رفع مستوى التعاون بين الأفراد). المملكة من أقوى دول المنطقة اقتصادياً، وهي تندرج ضمن مجموعة العشرين الأقوياء عالمياً، والعالم حولنا يحتوى الكثير من الخيارات والإمكانات، ومائدتنا التي اعتدنا أن يكون فوقها دوماً الكاكولا الأميركي، لا بأس أن يندرج ضمن مشروباتها الشاي الأخضر الصيني. وبحسب تقرير لمنظمة أوبك ان الإنتاج الأميركي للنفط في ازدياد مستمر، إضافة إلى اعتمادها على استيراد النفط من كندا والمكسيك، بشكل قد يمكنها عن الاستغناء عن أي مورد خارجي للطاقة. وعندما لا يصبح الشرق الأوسط محطة جازولين أميركا، فإن اهتمامها بقضايا المنطقة سيتقلص حتماً، وهو المشروع الذي دعا له بوش الابن بأهمية الفطام عن نفط الشرق الأوسط. ومع المواقف الأميركية السلبية دوماً ضد سكان المنطقة، والذي تمثل آخرها باحتلال العراق ومن ثم تمكين إيران من العراق، ورفع العقوبات الاقتصادية ضدها، وجعلها شريكاً وحليفاً محتملاً في المنطقة رغم كل سياسات إيران العدوانية ضد محيطها الإقليمي، الأمر الذي جعل دول المنطقة تعيد النظر في تحالفاتها الدولية. ومحاولة الفطام عن الكاكولا وتجربة الشاي الأخضر الصيني قد يكون أمراً مفيداً للصحة. omaimakhamis@yahoo.com لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :