السيطرة على التضخم .. التكلفة والخيارات «1من 2»

  • 1/16/2023
  • 22:49
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

على الرغم من أن معدل التضخم السنوي محليا لم يتجاوز تقديريا 2.5 في المائة خلال 2022، وجاء أدنى من معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي للعام نفسه المقدر بنحو 8.5 في المائة، وأدنى حتى من النمو الحقيقي للقطاع الخاص المقدر بنحو 5.2 في المائة، وللقطاع غير النفطي المقدر نموه خلال 2022 بنحو 4.7 في المائة، إضافة إلى أن التضخم جاء أيضا أدنى من المستويات المرتفعة التي وصلت إليها معدلات الفائدة عند أعلى من 5.0 في المائة، ما يشير في مجمله وفقا لذلك الإطار المقارن أعلاه إلى أن التضخم فعليا تحت السيطرة محليا بدرجة جيدة جدا حتى تاريخه، وأنه يستقر ضمن أدنى المستويات عالميا، في الوقت ذاته تواجه أغلب الاقتصادات حول العالم أعلى معدلات للتضخم خلال أكثر من 42 عاما مضى، وهو الآن الخصم اللدود الذي استجمعت البنوك المركزية أسلحتها كافة لمواجهته، سواء من خلال أسرع وتيرة لرفع معدل الفائدة شهدها الاقتصاد العالمي خلال 2022، أو من خلال تجفيف منابع السيولة في تلك الاقتصادات، وصولا إلى إعادة معدل التضخم إلى مستوى 2.0 في المائة فما دون، ولا يزال الصراع قائما حتى تاريخه بين البنوك المركزية من جانب، والارتفاع الراهن في الأسعار "التضخم" على الرغم من تراجعه خلال الربع الأخير من العام الماضي. أشار تقرير حديث صدر عن The Business Standard حول أكبر خمسة تحديات تواجه الاقتصاد العالمي خلال 2023، إلى أن التضخم هو ثاني تلك التحديات، ورجح في تقريره أن يأتي ارتفاع الأسعار بصورة معتدلة خلال 2023، نتيجة لعوامل عديدة، منها ضعف الطلب، هبوط أسعار الطاقة، وانخفاض تكاليف الشحن. ورغم ذلك، سيظل التضخم ـ من وجهة نظر التقريرـ أعلى من المستويات المستهدفة للبنك المركزي، ما سيؤدي إلى مزيد من إجراءات رفع معدلات الفائدة، الذي يعني بدوره مزيدا من القرارات الاقتصادية المؤلمة، ويخاطر بتفاقم أزمة الديون العالمية. كما يتوقع التقرير أن ينخفض معدل التضخم في منطقة اليورو بوتيرة أبطأ مما هو عليه في الولايات المتحدة، في حين سيظل التضخم الأساسي ـ الذي يستبعد الأسعار المتقلبة للمواد الغذائية والطاقة ـ مرتفعا، نتيجة للتحويلات النقدية للحكومة لمساعدة الأسر على التعامل مع تكاليف المعيشة المرتفعة. محليا حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، جاءت الارتفاعات في بنود الأغذية والمشروبات، والسكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع وقود أخرى، والنقل، والمطاعم والفنادق، أعلى من الارتفاع المسجل للرقم القياسي العام، وتعد المصدر الأكثر تأثيرا في تغذية ارتفاع الأسعار قياسا على ارتفاع وزنها النسبي في الرقم القياسي العام بنحو 63 في المائة، وهي أيضا البنود ذاتها التي تستقطب أغلب الدعم الحكومي عبر برامجه المختلفة، المستهدفة تخفيف أعباء المعيشة على الشرائح المجتمعية الأكثر احتياجا، وهو الجانب التنموي الذي أولته الدولة ـ أيدها الله ـ عنايتها واهتمامها الفائقين طوال العقود الماضية، ويؤكد استقرار هذا الجانب على مستويات عديدة. إنما يكتسب جانب الاهتمام بالتوقعات التي تذهب إلى ارتفاع التضخم خلال العام أو العامين المقبلين، من ضرورة الأخذ في الحسبان منذ الآن الخيارات المتاحة وغير المكلفة اقتصاديا، خاصة على مستوى النمو الاقتصادي، وتحديدا النمو الحقيقي للقطاع الخاص، وأن من أهم تلك الخيارات البحث في الأسباب التي أدت وتؤدي إلى ارتفاع تكاليف التشغيل بالنسبة إلى القطاع خلال الفترة المقبلة 2023 ـ 2024، والعمل من خلال السياسات والبرامج على عدم وصول آثارها للتأثير في قدرة القطاع على إيجاد الوظائف، وتعزيز مساهمته بدرجة أكبر على طريق توطين الوظائف أمام الموارد البشرية المواطنة، ما سيؤدي إلى استمرار ونجاح جهود كبح البطالة بين المواطنين والمواطنات، وهذا بالتأكيد من أهم وأبرز المستهدفات اللازم المحافظة عليها وتعزيزها مستقبلا. يواجه القطاع الخاص مصادر عديدة لارتفاع تكاليف تشغيله، من أبرزها، أولا، ارتفاع تكلفة تمويل نشاطاته، نتيجة ارتفاع معدل الفائدة البنكية، "تضاعف خمس مرات خلال 2022"، وهو التحدي الذي تواجهه مختلف نشاطات الاقتصاد عموما. ثانيا، ارتفاع تكلفة عديد من واردات القطاع، سواء تلك التي يقوم بإعادة توزيعها محليا، أو تلك التي تدخل في عملياته الإنتاجية. ثالثا، ارتفاع تكلفة الأراضي والعقارات "شراء، إيجارا"، وهو التحدي التشغيلي القديم العهد، ويشكل تحديا مستمرا ومتصاعدا للقطاع الخاص طوال العقود الزمنية الماضية. إضافة إلى مصادر أخرى تغذي ارتفاع تكاليف تشغيل القطاع، إلا أنها ليست على مستوى المصادر الثلاثة المشار إليها أعلاه، وقد يأتي مجال آخر لتناولها بالتحليل والكتابة في موعد آخر بمشيئة الله تعالى. سيكون على السياسات الاقتصادية العمل على إيجاد ما يمكن إيجاده، للتكيف مع تلك المصادر أعلاه، وتوفير الحلول اللازمة للمحافظة على استقرار ونمو القطاع الخاص، وأيضا على تخفيف الآثار التضخمية المحتمل تدفقها إلى الأسواق المحلية وما يتعلق بالمستويات المعيشية للمجتمع، وهو الأمر الذي يتوافر بدرجة كبيرة لدى الأجهزة المعنية، خاصة أن التضخم محليا ما زال ضمن مستويات متدنية بحمد الله، إنما تظل احتمالات عودته إلى الارتفاع مجددا في ظل التطورات الاقتصادية العالمية الراهنة والمتوقعة قياسا على القراءات الدولية، التي وضع أغلبها التضخم أحد أبرز وأكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري، وللحديث تتمة بالتركيز على ما يمكن اتخاذه في مواجهة المصادر المغذية للتضخم محليا المشار إليها أعلاه. والله ولي التوفيق.

مشاركة :