المدينة المنورة بين التاريخ والآثار | عاصم حمدان

  • 1/26/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

* ذكرتُ في مقالة الأسبوع المنصرم شيئًا من جهود المؤرِّخ والآثاريّ الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري -رحمه الله- ثم أردفتُ ذلك بالحديث عن عالم الآثار في بلادنا الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الطيّب الأنصاري -شافاه الله- ولقد بعثَ أحدُهم برسالة مجهولة المصدر، معقِّبًا، ولكن يبدو أنّه يجهلُ تمامًا ما أضافه جيلُ الروَّاد للمكتبة التاريخية والأدبية في بلادنا، ولهذا استكثر إشادتي بهم، والمرء -كما قيل- عدو ما يجهل، ويظل كتابُ الشيخ عبدالقدوس «آثار المدينة المنورة» مرجعًا أوّليًّا في تاريخ المدينة: دُورها، وقصورها، وحصونها، ومساجدها، وبلاطاتها، وجبالها، وأوديتها، وآثارها، وأتذكَّرُ أن أستاذنا الباحث الأستاذ الدكتور عائض الردادي حدَّثني -صادقًا- على هامش إحدى الندوات بطيبة الطيّبة عن القيمة العلمية والتاريخية لهذا الكتاب، مضيفًا إنه من خير ما كتبَ الرائدُ عبدالقدوس، وما تركه من تراثٍ علميٍّ، ولعلَّها مناسبة أن أخاطبَ معالي الأخ الدكتور غازي عبيد مدني، وإخوته الأكارم ببذل الجهد لإخراج كتاب والدهم المؤرِّخ والأديب السيد عبيد مدني -رحمه الله- الذي كان زميلاً للشيخ الأنصاري في حلقة الشيخ العلاّمة الطيّب الأنصاري في الحرم النبوي الشريف، مع جملة من طلبة العلم آنذاك. وكما دوَّن أخي غازي مشكورًا جزءًا من سيرة والده في كتابه الموسوم «المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ» في طبعته الثانية 1435هـ، فإن كتاب والدهم المخطوط -كما عرفت- يتضمّن معلومات هامّة عن تاريخ المدينة القديم والحديث، وكثيرًا ما أشاد الشيخ العلاّمة حمد الجاسر -رحمه الله- بهذا الكتاب المخطوط، وضرورة طباعته. * أعود للمؤرِّخ الأنصاريّ، وخصوصًا عن حديثه عن مساجد المدينة الأثرية، ومنها مسجد الفتح، والذي يقع على سفح جبل سلع في ناحيته الغربية، مشيرًا إلى أنّه من المساجد الموجودة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، مستشهدًا في الوقت نفسه بالحديث النبوي، الذي أورده الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده (بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دعا ربَّهُ في مسجدِ الفتحِ ثلاثَ مرّاتٍ، وفي الثالثةِ استُجيبَ لَهُ)، وهو ما تؤكّده كتبُ السيرةِ النبوية المعتمدة، حيث ذكرَ الإمامُ المحققُ ابن كثير -رحمه الله- ما نصّه (أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتى مسجد الأحزاب، فوضع رداءه، وقام ورفع يديه مدًّا يدعو عليهم) أي على الأحزاب. (انظر: السيرة النبوية للإمام ابن كثير، تحقيق د. مصطفى عبدالواحد، دار المعرفة، 1393هـ-1973م، ج3، ص214. * وأورده صاحب السيرة الحلبية، ج3، ص 25، في أحداث وقعة الأحزاب ما نصّه: «أن دعاءه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، واستجيب له ذلك اليوم، الذي هو يوم الأربعاء بين الظهر والعصر، فعُرف السرور في وجهه صلى الله عليه وسلم، ومن ثم كان الصحابي الجليل جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- يدعو في مهماته في ذلك اليوم في ذلك الوقت. * وقد قامت حكومتنا السنيَّة -جزاها الله خيرًا- في العهود المباركة جميعها بتجديد بناء العديد من المساجد الأثرية في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مثل: قباء، والجمعة، والإجابة، والمستراح، والميقات، وذو الحليفة، والقبلتين، ومسجد سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والذي كان يقع فيما يعرف بساحة المناخة، أو على مدخل زقاق الطيار. * كما أقامت وزارة الأوقاف انطلاقًا من مهمتها الدينية المعروفة مسجدًا حمل اسم «الخندق»؛ تثبيتًا لوقائع تلك الغزوة النبوية، وقد جُدِّد مسجد الفتح المذكور في عهد الملك فهد -رحمه الله- والمسجد -اليوم- موصدةٌ أبوابُه. لهذا فإنني أتوجّه إلى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان -رعاه الله- والحريص -كل الحرص- على كل ما يتصل بتاريخ المدينة، وتراثها، ومعالمها بأن يولي عنايته المعهودة والمقدَّرة لهذا المسجد الأثري، وحبذا لو تمَّ إسنادُ مهمة الإشراف على هذا المسجد لهيئة السياحة والآثار، والتي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، والتي قامت بجهود موفقة في الحفاظ على التراث في جميع مناطق بلادنا العزيزة. ومكة المكرمة والمدينة المنورة تأتيان في مقدمة اهتمامات هذه الهيئة، كما يعرف الكثير، ونتطلع آملين للمزيد.

مشاركة :