تشهد الساحة السياسية اللبنانية حالة من الغموض والقلق بشأن مسار العمل في المؤسسات الدستورية في ظل غياب رئيس للجمهورية. وامتدت الخلافات السياسية بين الفرقاء إلى مسألة التشريع في ظل الفراغ الرئاسي وهو ما يهدد استمرارية المؤسسات اللبنانية الحساسة. بيروت - يهدد الفراغ الرئاسي في لبنان، الذي يبدو أنه سيطول في ظل الخلافات بين الفرقاء السياسيين، استمرارية المؤسسات الأمنية والمالية في البلاد إذ أن المسؤولين السامين المشرفين على تسيير هذه المرافق الحكومية على أبواب التقاعد وسط خلافات بشأن آليات التمديد لهم أو استبدالهم. وتحذر أوساط لبنانية من استمرار الشغور الرئاسي في لبنان وهو ما يربك عمل المؤسسات الأمنية والمالية في البلاد، خاصة في ظل عدم وجود قانون ناظم للتعيينات والإقالات والإحالة على التقاعد صلب هذه المؤسسات في غياب رئيس للجمهورية ومجلس وزراء ذي صلاحيات كاملة. ويثير سد الشغورات في المناصب العسكرية والأمنية خاصة قلق العديد من السياسيين وقادة تلك الأجهزة أنفسهم رغم تأكيدهم أنهم يعملون على تحييد مؤسساتهم عن الشغور الرئاسي والأجندات السياسية. وتشير مصادر إلى أن آلية إحالتهم على التقاعد تتم بقرار يصدر عن مجلس الوزراء المكبل بمعالجة المسائل الحياتية اليومية دون غيرها في ظل استمرار الشغور الرئاسي، كما أن تعيين من يخلفهم يستوجب انعقاد مجلس وزراء وهو ما ليس متاحا بعد. الإحالة على التقاعد والتعيينات الجديدة أو التمديد يستوجب انعقاد مجلس وزراء وهو ما ليس متاحا في الوقت الحالي ويثير كل ذلك مخاوف من إرباك الأجهزة الأمنية والعسكرية على وقع تجابات سياسية لا يبدو أن لبنان سيتجاوزها في الأفق القريب. ودفعت التحذيرات حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي لتبني مشروع قانون تقدمت به كتلة “اللقاء اليمقراطي” للتمديد للمدراء العامّين داخل الأجهزة العسكرية والأمنية بعد بلوغ بعضهم سن التقاعد. وبالنسبة إلى العسكريين، سيشمل هذا القانون في حال إقراره، رئيس أركان الجيش اللواء أمين العرم الذي يُحال إلى التقاعد في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، وعضوي المجلس العسكري اللواء ميلاد إسحق الذي يُحال إلى التقاعد في ديسمبر، واللواء مالك شمص الذي يُحال إلى التقاعد في فبراير 2023، وقائد الدرك العميد مروان سليلاتي الذي يُحال إلى التقاعد في سبتمبر 2023. ورئيس الغرفة العسكرية في وزارة الدفاع العميد منصور نبهان، ونائب المدير العام لأمن الدولة العميد حسن شقير، ونائب المدير العام للأمن العام العميد إلياس البيسري، كما يمكن لقائد الجيش العماد جوزيف عون الاستفادة بما أنّه يُحال إلى التقاعد في يناير 2024. وتشير دوائر سياسية إلى أن الوضع القائم حاليا مع شغور السلطة الإجرائية وعدم قدرة حكومة تصريف الأعمال على تعيين حاكم مصرف لبنان، يفرض على الحكومة إيجاد حلّ لحاكم مصرف لبنان الذي تنتهي ولايته في الحادي والثلاثين من يوليو القادم. ويرفض رئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي تسليم النائب الأول لحاكم مصرف لبنان (الشيعي) حاكمية مصرف لبنان بالإنابة، كذلك الأمر بالنسبة إلى نائب الحاكم الدرزي. وتقول مصادر سياسية إن لا أحد يمكنه تحمّل مسؤولية دولار بمئة ألف ليرة إذا شغُر منصب الحاكم. وبالتالي تعمل القوى السياسية على مشروع قانون يُجدّد فيه لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة لولاية جديدة. وتتوزع المواقع الأساسية في الدولة اللبنانية على 179 وظيفة من الفئة الأولى أو ما يعادلها، وستصبح العشرات منها شاغرة هذا العام، يضاف إليها المواقع التي شغرت في النصف الثاني من العام الماضي، وعجزت السلطة السياسية عن إجراء التعيينات لملئها، إثر إخفاقها بتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية التي حصلت منتصف شهر مايو الماضي. ويرفض رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل انعقاد مجلس وزراء لبناني في غياب رئيس جمهورية وهو ما يعقد مساعي رئيس حكومة تصريف الأعمال ميقاتي لملء الشغورات المنتظرة. من يملأ الفراغ من يملأ الفراغ ويقول مراقبون إن تجاهل ميقاتي لفيتو التيار الوطني ستكون له تداعيات سلبية منها إمكانية التحرك في الشارع، لكن تداعيات تفريغ المؤسسات من رموزها سيكون لها الوقع الأسوأ. والخميس فشل مجلس النواب اللبناني، للمرة الحادية عشرة، في انتخاب رئيس جديد للبلاد، بعد تعذر حصول أي مرشح على ثلثي الأصوات، ما يعمق الأزمة السياسية والاقتصادية أكثر فيما لا تلوح أي حلول في الأفق. وتشهد الساحة السياسية اللبنانية حاليا حالة من الغموض والقلق بشأن مسار العمل في المؤسسات الدستورية وبقاء البلاد في حالة الفراغ الرئاسي منذ الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، وما خلفه ذلك من تداعيات على عمل مجلس النواب تتعلق بمسألة التشريع في ظل الفراغ الرئاسي، إلى جانب مخاوف حول مسار الحكومة التي تولت صلاحيات رئيس الجمهورية بحكم الدستور على ضوء تهديد أحد الفرقاء السياسيين بانسحاب وزرائه في حال التمديد للقادة الأمنيين والعسكريين. جبران باسيل يرفض انعقاد مجلس وزراء لبناني في غياب رئيس جمهورية وهو ما يعقد مساعي رئيس حكومة تصريف الأعمال ميقاتي لملء الشغورات المنتظرة جبران باسيل يرفض انعقاد مجلس وزراء لبناني في غياب رئيس جمهورية وهو ما يعقد مساعي رئيس حكومة تصريف الأعمال ميقاتي لملء الشغورات المنتظرة ويعاني لبنان من أزمة بالغة التعقيد جراء الفراغ الرئاسي، مع بروز جملة ملفات وضعت البلد أمام مخاطر الفراغ الشامل، والعبث بالمؤسسات الدستورية مع عدم الاتفاق على ملء الشغور الذي يهدد عددا من المراكز الأولى في المؤسسات العسكرية والأمنية. وبفعل تعقد الحسابات، السياسية والطائفية في لبنان، فإن اختيار رئيس للبلاد، أو حتى تشكيل حكومة أو تكليفها، يستغرق في العادة أشهرا عديدة، وفي العام 2016، وبعد أكثر من عامين من الشغور في سدة الرئاسة، جاء انتخاب ميشال عون رئيسا للبلاد بعد 46 جلسة برلمانية بموجب تسوية سياسية بين الفرقاء السياسيين. غير أن الفراغ السياسي القائم في لبنان حاليا، يبدو مختلفا، في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تعاني منها البلاد، وأدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، وكذلك في ظل وجود حكومة تصريف أعمال، تبدو عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في ملفات ملحة، أهمها القيام بإصلاحات، يضعها المجتمع الدولي شرطا لدعم لبنان. ويعتبر مراقبون أن الفراغ الرئاسي والحكومي في لبنان يؤدي إلى استمرار التأزم الاقتصادي والاجتماعي، ويرون أنه يؤدي بشكل أساسي إلى تأجيل كل الحلول المطروحة لمعالجة الأزمة الاقتصادية، لحين انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة جديدة، وهو ما يؤدي من وجهة نظرهم إلى استمرار معاناة اللبنانيين من أزمات متصاعدة، من سعر الصرف، إلى أسعار المحروقات والمواد الغذائية، وشح الأدوية وغير ذلك من أزمات. ووسط كل ذلك الجدل، يرى جانب من اللبنانيين أن انتخاب رئيس، أو تشكيل حكومة، لا يمثل تهديدا للبنان، وأن التحدي الحقيقي يتعلق بإصلاح جدي في مجال التشريعات وتطبيقها. ويعتبر هؤلاء أن القوانين، التي تطالب بالإصلاح كثيرة في لبنان، لكنها لا تفعل، وأن تجربة الرئيس السابق ميشال عون في هذا المجال تمثل أكبر دليل، إذ أدت المواجهة الشرسة التي قادها الرجل مع المنظومة الحاكمة فعليا في البلاد إلى نتائج مأساوية.
مشاركة :