المغزولة

  • 1/20/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا تفتأ تجوب مساريب القرية صباح مساء، لا تكف عن إطلاق ضحكاتها التي يعرفها كل من يسمعها، وأحيانًا ترى دمعة حارة تنسكب في عز ضحكتها وهي تختبئ خلف ذراعيها كطفل أصابه الوجل، إنها خضراء المغزولة، حين كنت أراها تصيبني حالة ذعر من مشيتها التي تهز الأرض من تحت قدميها، ومع هذا فقد كانت لا تؤذي فينا طفلاً بل كانت كثيرًا ما تحنو علينا فتطعمنا مما تحمله بالقُفة التي تعلو رأسها أيامًا وتختفي أيامًا أو ما كانت تخبؤه في جيب ثوبها الأصفر المرقع ما يثير الكثيرين ويحيرهم أنها تحفظ كثيرًا من السور القصار وبعض الأحاديث حفظتها من الشيخ سالم إمام قريتنا الذي أراد الله أن يبقى دون ذرية إلا خضراء التي كان يراها بنته المحبوبة، يحبها ويطعمها ويسكنها معه بعد أن توفت أمها قبل سنوات تاركةً خضراء تواجه قدرها. كان تقدم سنه يمنعه من ملاحقتها حين تنطلق كل صباح من منزله وتؤوب إليه حين يهل المساء، لهذا فقد كان يترك باب داره الخشبي المطلي بالقطران مفتوحًا خوفًا أن يداهمه النوم فتجد باب داره مقفلاً. استيقظت خضراء ذات أربعاء وانتظرته يأتي كما كان يفعل دومًا ليدعوها لبضع لقيمات تسد جوعها لكنه لم يأتِ، دخلت عليه حجرته فوجدته على فراشه شاخص العينين لا يتكلم وبجانبه طبقها الذي تتناول فيه وجباتها وقد خلا من خبز الصاج واللبن نادته مرة بل مرتين بعد أن هزت يمينه ثم صرخت بأعلى صوتها الذي سمعته كل المنازل الملاصقة: جدي أعدك لن أتأخر عن العودة مرة أخرى جدي سالم.. رد عليَّ ياجدي..! لكنه فارق الحياة كما فارقتنا -نحن أطفال القرية- ضحكات خضراء، خوفها، وملامح جسدها النحيل الذي غرق في بئر الجد سالم بعد يومين فقط من رحيله ألقت بنفسها في البئر كما يحكي أهل قريتنا لأنها لم تستطع الحياة دون من كان يطعمها صباحًا، ولا ينام حتى تعود إليه مساءً.

مشاركة :