«كان يا مكان» هذه الجملة الآسرة قادرة كما كتب أحدهم أن تنبّه حواسك بل تحبس أنفاسك انتظاراً لتفاصيل حدث ما. وكتاب الله عز وجل غني بكثير من القصص التي أنبأت بحكايات أمم بادت وشعوب مضت وأقوام كانوا عبرة لمن بعدهم من خلال تلك القصص التي جاءت كرسائل ربانية ببلاغة إلهية عظيمة. فالقصص عالم ممهور بالغموض والتشويق والوصف وأنفاس شخوصها وولجات نفوسهم وحواراتهم، وهي فن أدبي أسر الشباب سواء في وسائل التواصل أو الكتب الأدبية، وتعتبر القصة والرواية أكثر الفنون الأدبية التي يقتنيها الشباب باعتراف أكثر من ناشر يُفضّلُ نشر الرواية أو المجموعات القصصية عن دواوين الشعر والمؤلفات الأخرى. كتاب قصتي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لم يكن أيقونة أدبية فحسب أو كتاباً فريداً لتجارب قائد دبي المبهرة وقبطانها؛ بل يعتبر مرجعاً تاريخياً في كثير من القصص التي رواها مبدع أخلص في سرده لأحداث تاريخية وأخرى في السياسة والأهم عن طفولته ونشأته والتصاقه بالحياة البكر منذ نعومة أظفاره، كما صلته بمن حوله حتى صار كتابه وجهة عذبة للاستمتاع بما فيه وملهماً للكثيرين، فكما كتب صاحبه «نحن بشر يحركنا الإلهام والطموح أكثر من أي شيء آخر». «قصتي» أعاد للذهن حضور القصة في التراث العربي والفارسي واليوناني والكثير من الترجمات التي كانت أوردة لنقل تلك الروائع. «النوم مع العقارب» من الحكايات التي تصف بيئة العربي حيث كان العرب سابقاً يرسلون أبناءهم للبادية لأسباب عديدة؛ حتى تشكل شخصيتهم وتعلمهم فنون الحياة والصبر وحكايات الصيد ومصاحبة الطبيعة وحياة الصحراء بيئة العربي بكل تفاصيلها، كما أنماط كائناتها كالصقر والعقارب الصغيرة التي تعد لسعاتها وقاية من سمّها لاحقاً، ثم تضاريس الأرض وعلامات السماء كالنجوم بوصلة الصحراء، والريح وآثار الجمال التي تعد مرشداً للتائهين في تلك المفازة. كامرأة سحرني القص عن الشيخة لطيفة كأم حنونة ورفيقة عذبة مخلصة وامرأة يستيقظ الصباح من نوافذ عينيها، وتلهو الغزلان في حضرتها، وتفوح رائحة الخبز بين كفيها، فالحديث عن الأم عذب شفيف يمايس مشاعر الإنسان، لذلك كانت أجمل القصائد والحكايات ما رواها عشاق هذا الكائن الرقيق، ولعلي أعرج على مقاطع لقصيدتين شهيرتين إحداهما لمحمود درويش التي أصبحت ديدننا كلما عصفت مشاعر الشوق لأمهاتنا.. أحن إلى خبز أمي.. وقهوة أمي.. ولمسة أمي.. وتكبر فيّ الطفولة يوماً على صدر أمي» وفي قصيدة أخرى لنزار قباني «بلقيس كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل .. بلقيس كانت أطول النخلات في أرض العراق.. كانت إذا تمشي ترافقها طواويس وتتبعها أيائل». في الشعر أيضاً قصص لها إيقاعها وتذوب حروف القصيدة عند حملها .. لكن نفس القصيدة ليس كسطور القصة والرواية التي تحتمل مساحة أكثر من البوح.
مشاركة :