ساد هدوء ميداني في الذكرى الخامسة لـ «ثورة 25 يناير» المصرية، ولم تُسجل أمس أي تظاهرات كبرى أو أحداث عنف مؤثرة أو تفجيرات موجعة، على رغم حال الذعر والاستنفار الذي ساد الأيام الماضية، خصوصاً بعد الأحداث التي شهدتها تونس. واعتبر مراقبون أن جماعة «الإخوان المسلمين» فشلت في تأمين حشد جماهيري يستجيب للدعوات التي أطلقتها طوال الأسبوع الماضي. واستردت الثورة في ذكراها الخامسة جزءاً من اعتبارها رسمياً وإعلامياً بعد شهور من التشكيك الذي وصل إلى حد اعتبارها «مؤامرة»، ووصم رموزها وشبابها بـ «الخيانة» من منابر إعلامية علا صوتها بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) من العام 2013، وطالما حُسبت على نظام الرئيس السابق حسني مبارك. وخلت الميادين الرئيسية في القاهرة والمحافظات أمس من أي محتجين، وسط تعزيزات أمنية من الشرطة والجيش فيها وأمام المنشآت الحيوية والمقرات الحكومية والأمنية المهمة. وظهر أن المصريين التزموا منازلهم خشية أي أعمال عنف، إذ خلت الشوارع إلى حد كبير من السيارات والمارة، وأغلقت محال تجارية عدة أبوابها، خصوصاً في وسط القاهرة. وتفقدت قيادات أمنية من الجيش والشرطة الميادين الكبرى، واطمأنت على الموقف الميداني. وواصلت جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفاؤها في «تحالف دعم الشرعية» حال «الانفصال عن الواقع»، وفق ما يقول خصوم الجماعة، فرغم الهدوء اللافت في مختلف محافظات مصر، قال التحالف في بيان: «في إطار المتابعة المستمرة للحراك الثوري الذي انطلق من 275 نقطة ويشارك فيه 300 ألف ثوري، لا تزال الأعداد في ازدياد مستمر وتشهد المطرية والمهندسين وبلطيم بكفر الشيخ حشداً غير مسبوق». ولم تدعُ أي قوى إلى الاحتجاج أمس إلا جماعة «الإخوان» وبعض حلفائها، فيما فضّلت الحركات الشبابية المعارضة لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسي مثل حركة شباب «6 أبريل» وحركة «الاشتراكيين الثوريين» البقاء في «المنطقة الرمادية»، فلم تدعُ صراحة إلى التظاهر، وإن نشرت تدوينات على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي تُحرّض عليه، علماً أن معظم قيادات تلك الحركات يقضون عقوبات بالسجن لإدانتهم في قضايا مختلفة. ورسّخت الأوضاع الميدانية فقدان «الإخوان» أي قدرة فعّالة على الحشد بفعل الحملة الأمنية القوية ضدهم، وحالة الرفض الشعبي للجماعة بعد جنوح شرائح فيها إلى العنف، في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) من العام 2013. ولم تخرج فعاليات الجماعة الاحتجاجية عن محاولات قطع طرق في مناطق نائية أو تجمع العشرات في معاقلها في العاصمة وضواحيها في شكل مفاجئ، والهتاف ضد النظام، قبل تفريقهم من قبل قوات الشرطة. وفرّق الأمن عشرات من أنصار «الإخوان» في ميدان المطرية شرق القاهرة، وفي مدينة كرداسة في الجيزة، وقرب حي المهندسين، وفي أحياء عدة في الإسكندرية، رفعوا صوراً للرئيس المعزول محمد مرسي وشعارات «رابعة». وحاول آخرون قطع طريق في محافظة كفر الشيخ وفي الشرقية، لكن الأمن فرقهم. في المقابل، تظاهر عشرات في ميدان التحرير في القاهرة وفي ميدان القائد إبراهيم في الإسكندرية رافعين صور الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورددوا هتافات مؤيدة للجيش والشرطة، ووزعوا زهوراً على قواتهما. وجابت سيارات تحمل مكبرات صوت تصدح بأغنيات وطنية، الميادين والشوارع الرئيسية في العاصمة. وأحبطت قوات الحماية المدنية تفجيرات عدة بعبوات ناسفة بدائية الصنع، وأفيد أنها فككت «عبوة ناسفة شديدة الانفجار»، وضعها مجهولون، في شارع رئيسي بجوار مقهى غرب مدينة الإسكندرية، كانت مُعدة للتفجير من بُعد، فضلاً عن «عبوتين هيكليتين» زُرعتا أسفل جسر في مدينة السادات في محافظة المنوفية، وعبوة أخرى بجوار مكتب للبريد في محافظة البحيرة. وانفجر خط الغاز الرئيسي الواصل بين مدينة بورسعيد وميناء دمياط، عند نقطة على الطريق الدولي في دمياط، شمال مصر، لكن لم تُحدد السلطات إن كان التفجير ناجماً عن عمل إرهابي أو خلل فني. وعلى الصعيد السياسي، سعى الحُكم ومؤسساته إلى «رد الاعتبار» لثورة 25 يناير، بعد موجة من التشكيك والتخوين فيها، ومحاولة خلق حال من العداء والفصل بين ثورة 25 يناير وما تبعها من أحداث في 30 حزيران (يوينو). وشنت منابر إعلامية محسوبة على نظام مبارك هجوماً حاداً على الثورة في الشهور الأخيرة، ودأبت على استضافة شخصيات عامة معروفة بعدائها للثورة، وجدت الفرصة سانحة لتخوين وسب رموزها الذين باتوا إما سجناء أو تواروا طوعاً أو كرهاً عن الإعلام. وكانت كلمة الرئيس السيسي في ذكرى الثورة أبرز محاولات الحُكم الاصطفاف إلى جانبها، بإشادته بـ «شباب من خيرة أبناء الوطن الذين ضحوا بدمائهم من أجل دفع دماء جديدة في شرايين مصر». وأنهالت برقيات التهنئة بذكرى الثورة على السيسي من المؤسسات الرسمية، فاعتبرها رئيس الوزراء شريف إسماعيل «مناسبة تاريخية مهمة كان لها أكبر الأثر وأعظمه في رسم مستقبل جديد لمصر»، وقال وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي ورئيس أركان الجيش الفريق محمود حجازي إنها «يوم مجيد من أيام الوطنية المصرية»، ورآها رئيس البرلمان الدكتور علي عبدالعال: «ذكرى عطرة لثورة قادها شباب أطهار»، وهنأ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بتلك «الذكرى المجيدة». وغابت وزارة الداخلية عن صفوف المهنئين بذكرى الثورة، التي اندلعت في يوم عيد الشرطة، احتجاجاً على الممارسات القمعية لأجهزة الأمن في تلك المرحلة، وتصاعدت إلى حد خلع مبارك نفسه. وبدت المؤسسة العسكرية الأكثر حفاوة بذكرى الثورة، فأنتجت إدارة الشؤون المعنوية أغاني وطنية لتمجيدها، تحوي لقطات للحظات مؤثرة من أيام تظاهراتها. واحتفى الإعلام الرسمي أيضاً بذكرى الثورة، فزخرت الصحف القومية بعناوين ومقالات تُشيد بالتحول المهم الذي شهدته مصر بعد ثورة 25 يناير، وتنتقد الهجوم عليها، كما بث التلفزيون الرسمي أغنيات وطنية تُمجدها. لكن محاولات «رد الاعتبار» لثورة يناير تظل مصطدمة بواقع رموزها خصوصاً من الشباب الذين غيبهم السجن أو الهجرة، فيما قلة يتهددها المصير ذاته، كونها قيد الاتهام في «قضايا راكدة»، لتبقى في مواجهة حملات التشويه والتخوين بلا رد فعل.
مشاركة :