في خطوةٍ قد يكون لها تداعيات سياسية كبيرة على لبنان المأزوم، تهدد عودة المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار إلى استئناف عمله، بانهيار قضائي شامل، يعمّق حالة الفوضى التي تعيشها البلاد. وأثارت خطوة البيطار، ردة فعل عنيفة من النائب العام التمييزي غسان عويدات، الذي وجّه أمس كتاباً إلى البيطار يبلغه فيه أن «يده مكفوفة» عن القضية بحكم القانون، وأنه «لم يصدر لغايته أي قرار بقبول أو برفض ردكم أو نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامكم»، مضيفاً في استشهاد بآية قرآنية: «إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ» وأتبعها بأخرى من الإنجيل: «بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد لكم أيها السامعون». وخرجت إلى العلن أمس، أسماء جديدة في خانة الادّعاء، أُضيفت إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، هي: رئيس المجلس الأعلى للجمارك العميد أسعد الطفيلي، وعضو المجلس الأعلى للجمارك غراسيا القزي، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، والمحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري، والقاضيان كارلا شواح، وجاد معلوف. وتتضمن استدعاءات القاضي البيطار أيضاً شخصيات سياسية وأمنية وعسكرية، أبرزها رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب، ووزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، والمدير العام السابق لمخابرات الجيش العميد كميل ضاهر، إضافة إلى آخرين. وعيّن البيطار، جلسات استجواب لكل من النائب غازي زعيتر في 6 فبراير المقبل، والمشنوق في اليوم نفسه، ودياب في 8 فبراير، وذلك في دعوى الحق العام بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب، معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي. وبحسب ما تقول مصادر متابعة، فإن ما يقوم به البيطار دليل على أنه لا يريد الاستسلام للأسر الذي وضع فيه، وبالتالي كان عليه أن يقوم بخطوة. من جهة أخرى، استشعر البيطار التدخل القضائي الأوروبي في ملفات مالية واقتصادية، وفي ملف تفجير المرفأ من قبل الفرنسيين، وبالتالي اتخذ خطوته على هذا الإيقاع كي لا يكون وحيداً في الميدان، لا سيما أن بعض المعلومات تفيد بأن قراراً سيصدر عن القضاء البريطاني في المرحلة المقبلة حول مالكي السفينة التي كانت محمّلة بكمية النيترات التي انفجرت في المرفأ. وسيكون لخطوة البيطار تأثيرات وتداعيات متعددة الاتجاه، خصوصاً أنها تحرج المجلس العدلي، والمجلس الأعلى للقضاء، والنيابة العامة التمييزية، بينما تُسهم في إعادة إنعاش قضية التحقيق لتأخذ مساراً جديداً. ولا يمكن تجنب مفاعيل هذا التحرك القضائي على الصعيد الخارجي، إذ إنه سيقدم صورة بأن القاضي يعمل ويتحرك ويتابع تحقيقاته، في حين تعترض السلطة السياسية والقضائية على عمله، ولا تسمحان له باستكماله. وفي أول انعكاس سياسي داخلي، تحوّلت الجلسة المقرّرة لمناقشة قانون استقلالية القضاء، إلى ما يشبه حلبة الصراع بين فريق يمثله «حزب الله» وحركة أمل يتّهم النواب الآخرين بتسييس القضاء، وفرقاء آخرين يتعجبون من هذه التصاريح ويرفضونها. وبدأ الإشكال عند انتقاد النائب عن «حزب الله» حسين الحاج حسن للبيطار، لينضم إليه آخرون مؤيدون لكلامه، قبل أن يعلو صوت كل من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، رداً على دفاع النائبة نجاة عون صليبا (نواب التغيير) عن القاضي. وخرج زعيتر من القاعة غاضباً، قائلا: «ما بيفهموا بالقانون وبدن يناقشوا». وفي أول رد فعل دولي، حثت الولايات المتحدة السلطات اللبنانية على استكمال التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت «المروّع»، وإجرائها بشكل سريع وشفاف. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن ضحايا انفجار الرابع من أغسطس 2020 يستحقون العدالة، ويجب محاسبة المسؤولين. وسيكون لهذا الصراع القضائي أيضاً تداعيات في الشارع، وسط دعوات كثيرة أُطلقت للنزول إلى قطع الطرقات، بعضها من المتضامنين مع البيطار والآخر من معارضيه، ما يهدد بحصول فوضى في الشارع يرى البعض أنها قد تؤدي إلى بحث جدي عن تسوية سياسية، في حين يحذّر آخرون من أن الجسم القضائي المترهل لن يستمر على حاله، وما جرى سيؤدي إلى فتح مسار تغييره كلياً أو إعادة هيكلته. وفي تطور آخر، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 3 أشخاص من ميليشيا «حزب الله» لاتهامهم بتسهيل تحويل الأموال للحزب عبر مراكز الصرافة.
مشاركة :