لا تخلو الحياة من أوقات عصيبة لا يمكن تجنبها بشكل كامل.. خسارة صفقة أو تعثر دراسي أو وعكة صحية أو التزام مادي مفاجئ لم يتم الاستعداد له. هذه أشياء قد تحدث حتى إن تحاشينا التفكير فيها. لذلك من الضروري التدرب على مواجهة مثل هذه الأمور قبل أن تحدث بالفعل.. لكن كيف نفعل ذلك؟ من الأساليب الفعالة - حسب بعض الأبحاث - هو توسيع الخبرات بطرق عديدة منها قراءة الروايات! حيث إن الاندماج في رواية والتوحد مع شخصياتها، يثري تجربتنا الحياتية ويجعلنا نتسلح بالقدرة على مواجهة مواقف لم نواجهها حقاً. فالأدب الواقعي ليس بعيداً عن الحياة تماماً، بل هو تكثيف لها، لذلك تعمق سيجموند فرويد في الكتابة عن روايات دوستويفسكي، وكان يحيى الرخاوي مفتوناً بأدب نجيب محفوظ.. فالغوص في النفس الإنسانية يثمر علماً وأدباً وفناً ترى فيهم تداخل المنبع الواحد. أدب دوستويفسكي حافل بشخصيات مضطربة تواجه صراعات نفسية مريرة جامحة، ما يفسر اهتمام فرويد بها.. وأهميتها بالنسبة لي هو أنك سترى حياتك أجمل، ونفسك أكثر نقاء حين تقارنها بهذه الشخصيات.. لكني أجد «الصحة النفسية» لشخصيات محفوظ أفضل نسبياً لو أردت رأيي المتواضع. نجد بينها رضوان الحسيني مثلاً من رواية «زقاق المدق».. وهو شاب يواجه الفقر ونقص التعليم والضغط المجتمعي لإيجاد عمل وإعالة أسرته.. تراه يستخدم عدة تقنيات نفسية فعالة للتغلب على وضعه الصعب، مثل اعتبار هذه المرحلة مؤقتة في حياته، واعتقاده الدائم بقدرته على تخطيها.. وتركيزه في العمل الجاد طوال الوقت في سبيل تحسين وضعه.. وكذلك اهتمامه بتطوير مهاراته، من خلال تحسين مهارات القراءة والحساب لتأمين فرص عمل أفضل. لا يجد وقتاً للراحة ولا مالاً للترفيه عن نفسه، لكنه يستمد راحته من التواصل مع الأسرة والأصدقاء، حيث يجد الدعم النفسي الضروري في ظروفه هذه. كل هذا كلام علمي تجد أصولاً له في المراجع النفسية! مثل ذلك تجده في رواية «أوقات عصيبة» لتشارلز ديكنز.. حيث يجتمع عمال المصانع الفقراء لدعم بعضهم، ويؤمن بطل القصة أن مواجهة الصعاب تلزمها المشاعر والخيال وليس المنطق الجاف فقط. قراءة الروايات مفيدة، للمتعة والتحليق في عوالم مختلفة، في رحلة تفيدنا نفسياً ووجدانياً، الأمر الذي قد يفسر تصدر مبيعات الروايات الأدبية أكثر من أي صنف آخر من الكتب. من الوارد حدوث صعاب في الحياة من حين لآخر، لأن الحياة لا تسير كما نريد لها أن تكون طوال الوقت. ما يجعل من الضروري الاستعداد لمواجهة مثل هذه المواقف حين تحدث. فالحياة قصيرة، ومن المفيد ألا نتوقف عند العثرات أكثر من اللازم، وأن نستمر في رحلتنا ناظرين للأمام.
مشاركة :