الكَاتِب الحَكيم والعَاقِل، هو الذي يُحدِّد الشَّريحَة التي يَكتب لَهَا؛ قَبل أنْ يُقرِّر الكِتَابَة، لأنَّه إذَا اتّخذ مِثل هَذا القَرَار، سيَرتَاح، ويَعرف إلَى أين يَتّجه.. إنَّ هَذا الكَاتِب يَتمتَّع بالذَّكَاء، لأنَّه مِثل الذي يُريد أَنْ يُسَافر إلَى مَدينة مُعيّنة، وقَبل السَّفَر إليهَا يَبدأ بجَمْع المَعلُومَات، وشِرَاء الخَرَائِط، والاستعَانَة بالوسَائِل التي تُمكِّنه مِن مَعرفة تِلك المَدينة؛ التي يَنوي السَّفَر إليهَا..! مِن هُنَا -ومُنذ أَنْ بَدأتُ الكِتَابَة- وَضعتُ أمَام عَيني قَارِئًا مَجهولاً أكتُب لَه.. ذَلك القَارئ الذي أَبْحَث عَنه ويَبحَث عَنِّي، رَغم أنِّي لَا أَعرفه، ولَا يَعرفني، وهَذا القَارئ يُمكن أنْ يَكون أَيّ شَخص، مَا عَدَا النُّقَاد، والنُّخَب الثَّقَافيّة، لأنَّ هَؤلاء لَا يَحتاجونني ولَا أحتَاجهم، فأَغلبهم يَنظرون بأَنفِ الغرُور، ونَظرةِ التَّعَالِي، التي لَا أُجيد التَّعَامل مَعها..! لقَد سُئل أُستَاذنا الأَديب الكَبير «مصطفى لطفي المنفلوطي» -الذي أَصَاب «كَتفي» شَيئًا مِن مَعرفته-: (لِمَ لَا تَحْفَل برَأي الكُتَّاب فِيك؟ ولِمَ لَا تَقرَأ مَا يَكتبون عَنك؟) فأجَاب -رَحمه الله- إجَابة قَاطِعَة يَقول فِيهَا: (إنَّني مَا أَقدمتُ عَلى الكِتَابَة للنَّاس في إصلَاح شؤونهم، وتَقويم معوجّهم، إلاَّ بَعد أَنْ عَرفتُ أنِّي أَستطيع أَنْ أَنزل مِنهم؛ مَنزلة المُعلِّم مِن المُتعلِّم، للنَّاس خَاصَّة وعَامَّة، أمَّا خَاصَّتهم فلَا شَأن لِي مَعهم، ولَا عَلَاقة لِي بِهم، ولَا دَخل لكَلِمَةٍ مِن كَلِمَاتي في شَأنٍ مِن شؤونهم، فلَا أَفرَح برضَاهم، ولَا أَجزَع لسَخطهم، لأنِّي لَم أَكتُب لَهم، ولَم أتحدَّث إليهِم، ولَم أُشهدهم أَمري، ولَم أُحضرهم عَملي، بَل أنَا أتجنَّب -جُهد المُستطيع- أنْ أستَمع مِنهم كُلّ مَا يَتعلَّق بِي؛ مِن خَيرٍ أو شَرّ، لأنِّي رَاضٍ عَن طَريقتي، التي أَكتُب بِهَا رَسَائِلي)..! إنَّ «المنفلوطي» هُنَا قَد أَرَاح دمَاغه مِن هَمِّ النُّخب، أو مَن يُسمِّيهم الخَاصَّة، وأنَّه لَا يَعبأ بِهم، ولَا بثَنائهم ولا بَسَخَطِهم، وقَد برَّر ذَلك بأنَّه «لَم يَكتب لَهم»..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نُخيِّركم بَين الكِتَابة للعَامَّة؛ والكِتَابَة للخَاصَّة، لأنَّكم لَن تُرضوا الطَّرفين إلاَّ فِيمَا نَدَر..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :