إنَّني كَاتبٌ مَحظوظ، لَيس مِن جِهَةٍ وَاحِدَة، بَل مِن عِدّة جِهَات، ومِن أهَم شَواهِد الحَظّ؛ أنَّ مَن يَقرؤون مَقالي أكثَرهم مِن المُنتِجين، بحَيثُ يَردّون ويُعقِّبون، ويَعترضون ويَعتبون.. وحتَّى نَربط الشَّاهِد بالمَشَاهِد، إليكُم هَذا الدَّليل: قَبْل فَترةٍ قَصيرَة؛ كَتبتُ عَن أُولِئك الشَّبَاب؛ الذين يَستعجلون في إصدَار كُتبهم قَبل أنْ يَنضجوا، وطَلبتُ مِنهم أنْ يَتمهَّلوا، ويَقرؤوا كَثيرًا قَبل إصدَار أي كِتَاب، واستَشْهَدتُ بأُستَاذ التَّنمية البَشريّة الدّكتور «إبراهيم الفقي» -رَحمه الله- الذي أَنْفَق 25 سَنَةً مِن عُمرهِ؛ في تَأليفِ كِتَابٍ وَاحِد..! بَعد نَشر المَقال؛ أَرسل لِي -عَبر «الوَاتس أَب»- الأمير الصَّديق «مشاري بن سعود» -أمير مَنطقة البَاحة- تَعليقًا يَقول فِيهِ: (أحسَنْتَ يَا أَحمَد، ولَكن كُنتُ أتمنَّى أنْ لَا تَكتفي بشَاهدٍ وَاحِد، ولَيتك كَثّرتَ الشَّوَاهِد)..! وهَا أنَا -نزُولًا عِند رَغبة الأمير، وبَعض الأصدقَاء الآخرين- أُضيف ثَلاثة شهُود مِن أَهل «الصّنعَة» الأُصلَاء، أوّلهم الكَاتِب الأَمريكي «آرنست همنجواي»، الذي أَلّف روَاية «العَجوز والبَحر»؛ عشرين مَرَّة. والثَّاني هو الكَاتب الأيرلندي «جيمس جويس»، الذي أَنفق مِن عُمرهِ 19 عَامًا في تَأليف روَاية «عوليس». أمَّا الشَّاهِد الثَّالِث، فهو الكَاتِب الكُولومبي «ماركيز»، الذي أَنْفَق مِن عُمره 30 عَامًا؛ في تَأليف روَاية «وقَائع مَوت مُعلَن»..! إنَّ تَأليف الكُتب عَملية شَاقَّة، لأنَّها لَيست سِلعَة استهلَاكيّة؛ تَختفي في اليَوم التَّالي بَعد إنتَاجها، فمُشكلة الكِتَاب أنَّه يَبقَى مَدَى الحيَاة، ومَن يَتصفَّح التُّراث العَربي؛ يَكتشف أنَّ كَثيرًا مِن العُلمَاء أَحرَقوا كُتبهم، وكَأنَّها مِثل الأبنَاء غَير الشَّرعيين؛ الذين تَفضحهم اختبَارات الـ»DNA»، أو أنَّهم نَدموا عَلى تَأليفها مَع تَقدُّم العُمْر..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنْ أَشكُر طَائفة القُرّاء؛ الذين يَمدُّون اليَتيم بكُلِّ خَيرٍ ثَقافي، كَمَا أشكُر الرَّجُل النَّبيل «مَشاري»؛ الذي أَوحَى لِي بفِكرة هَذا المَقَال، ولَعلَّ الأيَّام تُعطيني الفُرْصَة لأَرُد للأَمير مَعروفَهُ، ولَن يَهدأ لِي ضَمير؛ حتَّى أَرُدَّ الفَضْلَ للأَمير..!!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :