أثرت عناصر المكان في قلب الصحراء والقرى فكانت مؤثرة بشكل قوي في التصوير والتشبيه الشعري وهذا ليس جديدا فقد كانت العرب تشبه الثبات بالجبال والعدد بالرمال والكرم بالشعاب والأودية. ومن أمثلة ذلك المعالم والجبال التى يشاهدها ويستدل بها وعندما يشتاق لمد النظر في الأفق يعلو قمتها ويضع من احجارها بصمة ذكرى جميلة أو حزينة وتقف الرجوم شاهداً على ذلك ولو تحدثت أحجارها لحكت عن قصص الغرام والحزن والفراق. ومن هذا المنطلق المؤثر وصل الشاعر الى مرحلة محاكاة تلك الجبال ووضع منها شخصيات تعشق وترحل، ومن أدلة ذلك قصة جبل طمية الخرافية والتى رحلت فيها طمية نحو جبل: الهوى من قدمنا شدد طمية ضلعةٍ من كشب شدت يم ابان وهذا المنهج ليس بمستغرب على شاعر الصحراء فهو تسلسل لمنهج قديم في تحريك عناصر المكان وجعلها تتحدث يقول أحد الشعراء الجاهليين عن توديع المكان الذى غادر منه وعن ترحيب المعالم والجبال التى رحل اليها وهذا التجانس واستخدام مفردة العناصر الطبيعية شاملة للشعر والأدب والقصة حيث وردت عدد من المسميات في احاديث السنة وفي القصص والأمثال ومن ذلك اهل مكة اعرف بشعابها. وتجسيد الشاعر لاستنطاق عناصر الطبيعة من حوله وتشبيه مشاعره بها حتى ابكاها ومن ذلك قول الشاعر: بكتنا دارنا لما إرتحلنا فحيتنا سفيرة فالغيام ومن خلال مشاهدة الشاعر من مكانه لهذه المعالم بدأ الشاعر في خلق دراما شعرية وفكاهية عن ما يؤثر فيه يقول أحدهم مزوجاً الجبال وجعلها في خدمة بعض: لو أشتهي جوزت نعمي سفيرة وناديت للمصلوخ يرعى غنمهم ولقد دخل الشاعر مرحلة خيالية فى توظيف عناصر المكان لصالح شاعريته وطرق هذا الاسلوب من باب الفكاهة أو الخيال الشاعري يقول أحد الشعراء: ياليت شثران يجينا مطيه وشديده من قرنة القوس مصنوع والدلو تين ويجرها صهر ليه والشق من ضلع الغراميل مرقوع والسؤال الذى يطرح نفسه هل سلك الشعراء هذا الاسلوب لإثبات أسماء المعالم؟ أم تم طرقه لغرض الفكاهة الشعرية ومخالفة الواقع في إطار الخيال الشعري. بالتأكيد ان هذه المعالم من جبال وشعاب ورمال وغيرها كان لها تأثير نفسي ينشأ منذ الطفولة في خيال الشاعر حتى تصل الى مرحلة ترسم لوحة ذاكرته بخلفية تلك المعالم بشموخها وثباتها.
مشاركة :