الغرامات ورقة النظام الجزائري لتحصيل الأموال المنهوبة

  • 2/12/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

وجد النظام الجزائري في الغرامات القضائية الثقيلة ضد رموز النظام السابق والمتعاونين معه ورقة لاسترجاع الأموال المنهوبة في الداخل، إلا أن عملية استرجاع الأموال في الخارج لا تزال متعثرة ما يحرج الرئيس عبدالمجيد تبون الذي تعهد باسترجاعها. الجزائر - تبقى الأموال الجزائرية المهربة الى الخارج من أعقد الملفات التي تتحدى سلطة الرئيس عبدالمجيد تبون، فهو عالق بين الوفاء بالتعهد الذي قدمه خلال حملته الدعائية للانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام 2019 لاسترجاعها، وبين تعقيدات الإجراءات الدبلوماسية والتشريعية مع الدول التي استوطنت فيها تلك الأموال. ونطق القضاء الجزائري بأحكام ثقيلة في حق وجوه من السلطة السابقة، فإلى جانب السجن النافذ، تم تطبيق غرامات غير مسبوقة قدرت بثلاثة مليارات دولار لفائدة الخزينة العمومية، وهو ما يعتبر استردادا مغلفا لما يعرف بالأموال المنهوبة تحت مسمّى التغريم القضائي. وإذا كان الأمر هينا نسبيا بالنسبة إلى الأموال المنهوبة في الداخل، على اعتبار أن السلطة تملك كل الآليات التشريعية والإدارية، فإن الأمر ليس على ذلك النحو بالنسبة إلى الأموال المهربة، ولذلك يجري التسويق لبعض عمليات الحجز والتغريم في الداخل لطمأنة الشارع، وتحويل أنظاره عن الصعوبات التي تعتري عملية الاسترجاع من الخارج. وغرّمت محكمة القطب الاقتصادي والمالي، المختصة في معالجة ملفات الفساد المالي والسياسي، عددا من وجوه السلطة السابقة، وعلى رأسهم سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة ومستشاره، بغرامة مالية تقدر بنحو ثلاثة مليارات دولار، إلى جانب أحكام بالسجن النافذ تتراوح بين العامين والـ15 عاما. وتعتبر الغرامة المذكورة أثقل عقوبة تصدر عن القضاء الجزائري، لاسيما منذ فتح ملفات الفساد المالي والسياسي منذ العام 2018، وهو ما يجعلها سابقة يراد من خلالها استرداد ما يعرف بـ”الأموال المنهوبة”، بسبب ممارسات الفساد. إذا كان الأمر هينا بالنسبة إلى الأموال المنهوبة في الداخل، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الأموال في الخارج وعاد الحديث في الجزائر حول الأموال المنهوبة، مع معلومات كشف عنها الرئيس عبدالمجيد تبون، في تصريحات له لوسائل إعلام محلية، فذكر في إحداها أن المصالح المختصة استرجعت ما يعادل الـ20 مليار دولار للخزينة العمومية، وفي تصريح آخر قال إنه “تم العثور لدى عائلة واحدة فقط على مبلغ يعادل 37 مليارا”. ولم تقدم السلطة توضيحات أخرى في هذا الشأن، إلا ما سرده وزير العدل عبدالرشيد طبي أمام نواب البرلمان حول أصول تلك الأموال، وتحدث عن عقارات وممتلكات وقروض بنكية تم حجزها من طرف القضاء، لكنّ شكوكا أثيرت حول دقة الأرقام المقدمة، رغم تواتر معلومات عن العثور على مبالغ نقدية مكدسة لدى بعض الأشخاص والعائلات المحسوبة على المرحلة السياسية السابقة. وتجهل إلى حد الآن حصيلة الأموال المنهوبة والمهربة من البلاد خلال المرحلة المذكورة، وتضاربت المعطيات التي بنيت عليها بعض الفرضيات، كالتي قدرتها بنحو 300 مليار دولار، استنادا على تضخيم فواتير الاستيراد الذي يستنفد ثلث الأسعار الحقيقية للبضائع والسلع التي كانت تورّد من الخارج. وذكرت برقية لوكالة الأنباء الرسمية أن “محكمة القطب الاقتصادي والمالي بالجزائر العاصمة قضت بأن يدفع سعيد بوتفليقة وعدة رجال أعمال لم تحدد عددهم مبلغ يعادل ثلاث مليارات دولار للخزينة العمومية كتعويض عن الأضرار التي لحقت بها”. وتوبع في القضية سعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر لرئيس الجمهورية الراحل عبدالعزيز بوتفليقة ومستشاره، إلى جانب عدد من رجال المال والأعمال المقربين من السلطة آنذاك، على غرار علي حداد، محي الدين طحكوت، والإخوة كونيناف، وأحمد معزوز ومحمد بعيري. محكمة القطب الاقتصادي والمالي قضت بأن يدفع سعيد بوتفليقة وعدة رجال أعمال لم تحدد عددهم مبلغ يعادل ثلاث مليارات دولار للخزينة العمومية كتعو ووجهت لهم المحكمة تهم “تبييض الأموال عن طريق تحويل ممتلكات ناتجة عن عائدات إجرامية لإخفاء وتمويه مصدرها غير المشروع، خلال الفترة الممتدة بين 1999 و2019″، وهي المدة التي قضاها الرئيس الراحل بوتفليقة في قصر المرادية. وكان القضاء الجزائري قد قرر تأميم ممتلكات رجال المال والأعمال المسجونين وشركاتهم وعقاراتهم، وإلحاق بعضها بشركات حكومية، مع الاحتفاظ باليد العاملة التي كانت تشتغل فيها والمقدرة بأكثر من 100 ألف عامل. ورفض الرئيس عبدالمجيد تبون فرضية “الحرية مقابل المال” التي طرحت في وقت سابق، حيث يستفيد رجال المال والأعمال المسجونين من حريتهم مقابل التنازل عن أموالهم وممتلكاتهم لصالح الخزينة العمومية، وهو ما يوفر الجهد والوقت على السلطة في معالجة الملف. وذكر تبون، في تصريح له، أنه “يستحيل على السلطة العمومية التنازل عن حقها تجاه هؤلاء، وأيّ تسوية هو نوع من الإفلات من العقاب، وتشجيع على التطاول على المال العام، ما دام بإمكان هؤلاء الاستفادة من الافراج”. وتراكمت أحكام السجن على رموز المرحلة المذكورة بسبب تورطهم في ملفات مختلفة، وكان آخرها عقوبة 12 عاما سجنا نافذا في حق سعيد بوتفليقة، وأخرى مماثلة لعلي حداد، و15 عاما نافذة لمحي الدين طحكوت، و10 أعوام للإخوة كونيناف، و10 أعوام لأحمد معزوز و12 عاما لمحمد بعيري، مع مصادرة جميع الأموال والعائدات والعقارات الناتجة عن عائدات الفساد في إطار هذا الملف. وسبق للقضاء العسكري أن برّأ في 2020 سعيد بوتفليقة من تهم التخطيط والتآمر على سلطات البلاد وعلى المؤسسة العسكرية إلى جانب قائدين سابقين في جهاز الاستخبارات (الجنرالان توفيق وطرطاق)، ورئيسة حزب العمال لويزة حنون ووزير الدفاع الأسبق خالد نزار، لكن سعيد بوتفليقة تستمر متابعته في ملفات مطروحة على القضاء المدني. وكانت أسماء من مرحلة بوتفليقة، كوزير الصناعة السابق الفار عبدالسلام بوشوارب، قد ظهر في تحقيقات الجنان الضريبية، الأمر الذي يقلص حظوظ تحصيل تلك الأموال، رغم جهود الحكومة مع نظرائها في عدة دول كفرنسا وسويسرا وتركيا لاسترجاعها للخزينة العمومية.

مشاركة :