تنتابك الدهشة والغرابة وحتى الحيرة التي تصل بك إلى حالة من الضحك الهستيري وأنت ترى فصول مسرحية حكومة السوداني التي شكلها الإطار التنسيقي المُقرّب من طهران بعد إنسحاب الفائز مقتدى الصدر من الحكومة وهي ترتدي أقنعة متلونة. سيناريوهات متشابهة وأفعال مستنسخة، حتى بات الحديث واحداً ومتطابقاً مع ما كان يحدث في عهد حكومة الكاظمي. مفارقة حكومة السوداني أن الذين كانوا ينعتون الكاظمي أصبحوا اليوم يسيرون على خُطاه، فأميركا التي كانوا يقصفون سفارتها يومياً وتنطلق صواريخهم بإتجاه معسكراتها أصبحت اليوم من الأصدقاء التي لا يوجد ما يُعكّر المزاج معها كما يقول أحدهم. إنبوب النفط الممتد من البصرة إلى العقبة الذي كانوا يُهددون بتفجيره أو عدم إتمامه لإعتقادهم أنه يضخ النفط إلى إسرائيل عبر الأردن، أصبحوا يتسارعون لإتمامه. حتى دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية التي باتوا يرغبون بتحسين علاقاتهم معها، اهتموهما أيام الإنتخابات بأنهم مُطبعين مع إسرائيل ومتواطئين في عمليات التزوير من خلال أجهزة السيرفر الموجودة في الإمارات، والشيخ طحنون بن زايد المشرف على المخابرات الإماراتية الذين زعموا أنه يتآمر لإسقاطهم والإطاحة بهم وبنظامهم السياسي. سياسة مُتقلبة وأقنعة مُتغيرة بعد أن أدركوا أن ملاذهم الآمن وخلاصهم في الجارة الشرقية يُشرِف على التصدّع، وأن معبد ولاية الفقيه على وشك الإنهيار بسبب تآكل جدرانه والحيطان. لم يعد سوى الأخذ بسياسة التُقية التي يؤمنون بها في أدبياتهم بتغيير الإستراتيجيات وفق ما تقتضيه مصالحهم ومنافعهم. بوصلة التفكير السياسي بدأت تنحني بإتجاهات معاكسة بعد أن وجدوا أن إعصار تسونامي القادم قد يُنهي الذي كان يمدهم ويُغذيهم بالإستعلاء والنفوذ. لو كانت أفعال السوداني ومناوراته حدثت في زمن الكاظمي لإتهموه بالعمالة والخيانة والتآمر مع الأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر لضرب النظام السياسي. صحيح أن في أبجديات السياسة لا يوجد صديق دائم أو عدو، لكن هناك على الأقل ثوابت ومواقف ثابتة لا تتغير، مشكلة النظام السياسي في العراق أنه متخبّط لا يعرف ماذا يريد أو إلى أين الوصول، مجرد حلول وقتية لأزمات مستفحلة لا يُجيدون فن الإدارة، حينها يكون التأجيل هو خير ما يفعلوه، لا يفرقون بين من يريد مصلحتهم ومن يسرق ثروات بلادهم (أو ربما يعرفون)، من الصعوبة أن تجد تفسيراً لتصرفاتهم إن كانوا مع أو ضد. ويبقى السؤال الأهم هو: كيف تتقبل الإدارة الأميركية هذا الإنقلاب الفكري المفاجئ؟ وهل تتبع سياسة عفى الله عمّا سلف؟ من فوائد مناورات العمل السياسية أنها تضع خطوط رجعة أو عودة، كان من المفترض على الإطاريين أن لا يحرقوا جميع سفنهم وأن يتركوا البعض منها للعودة لكي لايُكشف على الأقل زيف الإدعاءات وخداع السياسة. ما وقعت به حكومة السوداني من فخ هو إستنساخ لتجارب الكاظمي، من المؤكد أنها تؤشر إلى وجود خلل في البيئة الفكرية والتفكير السياسي في إدارة الأزمات والسير بإتجاهات التعقيد وليس الحلول، كان عليهم أن لا يرموا حجراً في البئر الذي ربما يحتاجون الشرب من مائه، وهو ما يجعلهم في ورطة كبيرة، وتتهاوى بمعاولهم كل مقومات نجاح العملية السياسية بفعل التخبّط والإرباك، ما يُحسب للسوداني أن خطوته تأخرت بعض الشيء عن اللحاق بركب الأشقاء وربما النزول من مركب الغرباء لكن أن تأتي متاخراً أفضل من أن لا تأتي أبداً. قديماً قالوا النجاة في الصدق، وَلَيتهم كانوا صادقين لينجوا.
مشاركة :