قَـابلته صدفة الأسبوع الماضي قُـرْب إحدى إشارات المرور: رجل في منتصف العمر، يلبس ثوباً ممزقاً بالياً، عاجزاً عن حماية جسده الهزيل من نسمات بَـرْدٍ قـارِسَـة أطلقها ذلك الصباح! (يا الله) إنه حاسِـرُ الرأس وحَـافي قدمَـين، إِسْـفَـلْـتُ الطريق يَـتَـلذذ ويستمتع بِـسَـحـقهما، هَـاهو يتجول بين المركبات مُـتَـلَـعْـثِـم الـخُـطَـى، وعند أبوابها يَـبحَـث عن (....)! نزلت من مركبتي، حاولت الاقتراب منه، قَـسَـمَـات وجهه البريئة مرسوم عليها آثار الشقاء، وفي عـيـنيه يسكن الظلام والدموع؛ فهو مَـسْـحوقٌ، وحِـيدٌ، ومِـن حياته انطفأت كلّ الـشّـموع! رغم بعض التردّد مَـددت يَـدِي لأسَـلّـمَ عليه، صافحته كانت كفه ترتجِـف، ونبضاته متسَـارِعَـة، حينها أحسـسـت بأن تلك النبضات تُـردّد بأسى: آهٍ ثمّ آهٍ من غَـدر أُسْـرَةٍ أهملت رعايتي، وألقت بي في الشارع، وَاحَـرّ قلباه من مجتمع إلى مساعدتي لم يُـسَـارِع! قطعَ صَـمتَ تلك اللحظات، نُطْـقُـه بأحرف مرتبكة، وكلماتٍ غير مفهومة؛ وهو ينزع يده من كَـفّي! صدقوني وقتها كنت أوّد احتضانه، ربما عَـطْـفَـاً، أو شفقة على نفسي لو كان قَـدَرِي أن أكون مكانه! تراجع قليلاً، بعدها أمطرني بنظرات الشّـك والريبة، ثُـمّ وَلّـى هَـارباً يتمتم بعبارات تنطق بصَـرخَـات مكبوتة، تابعته حتى غاب عن الأنظار، ودمعاتٌ غلبَـتني تَـتَـسَـابَـقُ متساقطة، تَـصْـرخ، وتنادي وتتساءل بحرقة: إنْ كان لهذا المسكين أُسْـرة؛ فلماذا تجاهلته، وحوَّلته إلى أشلاء وبقَـايا إنسان؟! أين المؤسسات الخدمية المعنيّـة عن رعاية أولئك المساكين؟! ،لماذا غاب المجتمع بمؤسساته الخيرية عن احتضانهم؟! كيف لمجتمع أن يشعرَ بالشّـبَـعِ والأمان، وبعض أفراده يُـصارع الجوع والـحرمَـان؟! أنّـى لمجتمع أن يأتيه الدفء والطمأنينة ويَـخْـلد للنوم وتسكنه الأحلام؛ وطائفة منه تُـعَـانِـي الـبرد والأسى وقسوة الأيام؟! الحروف أعلاه سبق وأن احتضنتها هذه المساحة قبل سنوات؛ تذكرتها ومواقع التواصل ترصد الخميس الماضي مشهدَ مهاجمةِ أحدِ أولئكَ الـمُـشَــرّدين لـمَـن حاول تصويره! لتَـتَـكرّر الدعوة للجهات المعنية لكي تقوم بواجبها في رعاية أولئك الـغَـلابَــى، وهذا نداء من القلب لإنشاء جمعية خيرية متخصصة للعناية بأولئك الهائمين على وجوههم في الطّـرقات والميادين! أخيراً متى تتم معاقبة مَـن ينتهكون خصوصية البـشَــر بعمليات التصوير؟! aaljamili@yahoo.com
مشاركة :