حر (هو) سجين (أنا) !! | عبد الله منور الجميلي

  • 9/1/2015
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

(رأيته) قبل أيام، وعند الفجر، وعلى شاطئ (الإسكندرية) الذي يمتد من الجنوب إلى الشمال لأكثر من أربعين كِيْلاً يُعَانق في أغلبها البحرَ مباشرة، دون أن تنهبه منازل النخبة كما في شواطئ مُدن أخرى!! كان يفترش الأرض، ويلتحف السماء (حقيقة) وليس مجازاً كما في تَرَانِيْم الشعراء وتراتيل الأدباء!! كان جسمه النّحِيْل مُلْقَىً على قارعة الرّصيف، لم يمنعه صَخَب المصطافين، وضجيج المركبات من (النّوم) العميق!! اقتربتُ منه، نظرتُ إليه، أردت تصويره، لكن احترمت خصوصيته وإنسانيته، فأعدتُ هاتفي إلى غِمْدِه! أمعنت في تقاسيم وجهه التي لم تمحُ قسوة الزمان والمكان براءته، حينها أبحتُ في خيالي، (ياه) إنه يَرقُد بهدوء وطمأنينة؛ لأنه (حُرٌّ)، لم يسرق عمره الرّكض وراء الدرهم والدينار، والمُتَع الزائفة، فلقُمَة أنّى كانت ولو قطعة خُبْزٍ تَسُدّ رمقه، وتكفيه!! (هو حُرّ)، فموجات تفكيره قريبة جداً، بَعِيْدة عن التعقيدات، فَلَم تَأسِره مذاهب فكرية، فلا علاقة له (بالقومية، ولا العلمانية، ولا باللبرالية، ولا حتى صراع التيارات الدينية)، ولا يعرفُ أبداً الإمبريالية أو الصهيونية، ولا الجماعات الإرهابية؛ (تفكيره) بسيط ومحدود، لكنه في الوقت نفسه محلِقٌ في عالمه الخاص الطاهِر!! (إنه حُرٌّ طليق)، فليس مسكونًا بمتابعة أحداثٍ وثوراتٍ عربية قتلت مئات الألوف من البشر، وشَردت الملايين منهم!! ذلك الفتى الطيب (حُرٌّ)، فَدقائق وساعات يومه، ليست مسجونة داخل الهاتف المحمول وبرامجه الذكية!! لقد نام هانئًا؛ لأن قلبه أبيضَ نَقي لم تتحكم بنبضاته موجات وتداعِيَاتُ حِقْدٌ أو ضغينة أو حسَد، فالناس عنده جميعًا ملائكة! سَحبتُ لِجام خيالي، إلى الواقع، وأعدتُ النظر (إليه)، إلى ذلك الذي يَسْكنُ الرّصيف، فسمعته يُتَمِتم بكلمات غير مفهومة، وهو يَمتطي صهوة أحلامه، لكنه ختمها بابتسامة بريئة!! وهنا غلبتني دمعات تسابقت على خَدي، لستُ أدري أحزنًا على حَالِه أم على حَالي، بعدها ودعت صديقي، ورددتُ بصوت هامس عانق خيوط الفجر، حُرُّ (هو)، سَجِيْنٌ (أنا)! aaljamili@yahoo.com

مشاركة :