المدينة الفاضلة أو الإخفاق التام «1 من 2»

  • 2/24/2023
  • 22:27
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لم يضم كتابي الذي تناول التاريخ الاقتصادي في القرن الـ20، ونشر في الخريف الماضي، فصلا عن التكهن بالمستقبل أو "ماذا ينبغي لنا أن نفعل بعد ذلك؟"، لأن المؤلف الذي اشترك معي في تأليف هذا الكتاب وكتب أخرى كثيرة، ستيفن س. كوهين، أقنعني بأن كل ما أكتبه عن المستقبل سيبدو عتيقا وسخيفا في غضون ستة أشهر. كان محقا، فمن الأفضل ترك مثل هذه الحجج لتعليقات كهذا التعليق. وعلى هذا، فماذا كنت لأقول لو كتبت فصلا أخيرا يتناول المستقبل؟ قبل النص التخيلي، أزعم أن الإنسانية كانت طوال القسم الأعظم من التاريخ أشد فقرا من أن يكون الحكم السياسي أكثر من مجرد نخب تحكم بالقوة والاحتيال لتكديس الثروة والموارد لمصلحتها. لكن في 1870، انطلق صاروخ النمو الاقتصادي الحديث، لتتضاعف كفاءة البشرية التكنولوجية كل جيل منذ ذلك الحين. وبدا الأمر على نحو مفاجئ كأننا اكتسبنا الوسائل اللازمة لخبز فطيرة اقتصادية كبيرة بالقدر الكافي ليأخذ منها كل منا كفايته. إذا تمكنا من حل مشكلات الدرجة الثانية التي تتعلق بكيفية توزيع واستهلاك الفطيرة حيث يشعر الجميع بالأمان والصحة السعادة، فسنكون قاب قوسين أو أدنى من المدينة الفاضلة. لكن شيئا ما أفسد الأمر. فخلال الفترة من 1870 إلى 2010، لم تكن البشرية تعدو، ولا تركض، ولا تهرول، ولا تسير خببا، أو حتى تمشي إلى المدينة الفاضلة. في أفضل تقدير، كنا نمشي متثاقلين ـ وليس دائما في الاتجاه الصحيح. بحلول العقد الأول من هذا القرن، كان محرك النمو الاقتصادي بدأ يختل بوضوح. فلم نعد عاجزين على الاعتماد على النمو السريع فحسب، بل كان لزاما علينا أيضا أن نضع في الحسبان تهديدات جديدة تزعزع أركان الحضارة، مثل تغير المناخ. كانت السرديات الكبرى خلال الفترة 1870 ـ 2010 تدور حول الانتصار التكنولوجي، مقترنا بالفشل التنظيمي الاجتماعي. لم تكتب السرديات الكبرى للفترة التالية لـ2010 بعد، ويرجع هذا في الأساس إلى حقيقة مفادها بأن البشرية كانت تخطو خطوات مترددة في أربعة اتجاهات على الأقل. استرجع بعض المؤرخين "نظام الصفقة الجديدة" الديمقراطي الاجتماعي من حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي كان ثمرة عقد زواج أبرم تحت تهديد السلاح بين فريدريش فون هايك، بثقته المتهللة في قوة السوق وقدرتها على إيجاد الازدهار، وكارل بولاني، الذي أكد أهمية الكرامة الإنسانية والحقوق بخلاف تلك المتصلة قصرا بالملكية. كان جون ماينارد كينز، الذي آمن بقوة الإدارة الاقتصادية التكنوقراطية في الحفاظ على التشغيل الكامل للعمالة، وتمكين العمال من جعل وقتهم أكثر قيمة، وإطلاق رصاصة الرحمة على ذوي الأملاك من خلال أسعار الفائدة المنخفضة، هو الذي حمل سلاح التهديد. لكن تبين أن ذلك النظام لم يكن قابلا للاستمرار في أواخر سبعينيات القرن الـ20. فلم يعد بإمكانه اكتساب الدعم من جانب أغلبية دائمة في ديمقراطيات العالم، وبدأت أسسه القائمة على الإنتاج الضخم تتصدع. كان الاقتصاد العالمي يتحرك بدلا من ذلك نحو سلاسل القيمة العالمية، وفي نهاية المطاف إلى نمط الإنتاج الحالي القائم على المعلومات.. يتبع. خاص بـ«الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.

مشاركة :