إن الحديث عن إحياء الصفقة الجديدة اليوم سيكون أشبه بشخص ما في 1960 يدعو إلى العودة إلى النظام الإقطاعي الذي ساد في القرن الـ11 في عهد وليام الفاتح. من ناحية أخرى، نظر آخرون في اتجاه مضاعفة الجهود في إطار النظام النيوليبرالي الذي خـلـف الديمقراطية الاجتماعية. على سبيل المثال، فعلت المملكة المتحدة ذلك بدءا من أواخر العقد الأول من القرن الحالي، عندما قرر زعيم الديمقراطيين الليبراليين نـك كليج أن غرض حزبه يتلخص في إقناع الناخبين الذين لا يحملون ودا للمحافظين بدعم حكم المحافظين. لم تسلم النيوليبرالية المنبعثة من جديد في أعقاب ذلك في عهد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزير الخزانة جورج أوزبورن ـ فضلا عن التجربة الهزلية التي لاحقتها ليز ترس وكواسي كوارتنج أخيرا ـ إلا أقل القليل على طريق النمو الاقتصادي المطلق وقدمت تحذيرا قويا ضد تحرك البلاد في هذا الاتجاه. تمثل خيار ثالث في استحضار روح القومية العرقية. يعتقد أنصار هذا الاتجاه أن العيوب الرئيسة التي تشوب المجتمع الحديث لا تتعلق بالحرمان المادي بقدر ما ترتبط بالانحلال الأخلاقي الناجم عن تأثير الغرباء، وأولئك الذين يفتقرون إلى جذور عميقة بالقدر الكافي في دماء وتراب الأمة، يقصدون المهاجرين والمتسولين والكسالى والمنحرفين والأمميين الذين هم بلا جذور، وغير ذلك من القوى الشريرة. غني عن القول إن هذا النهج ليس فيه ما قد يزكيه إلا أقل القليل، سواء من الناحية الأخلاقية أو عندما يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية. يتناول الخيار الرابع أمرا كان غائبا، أو على الأقل كان في تضاؤل منذ 1870. قد يتخلى المرء عن هدف المدينة الفاضلة ويعود إلى توجيه المجتمع حول النخبة ـ سواء كانت تتألف من الحكام المختلسين، أو أصحاب الثروة والنفوذ، أو زعماء الأحزاب، أو خليط من كل هؤلاء ـ التي تركز على بناء عشها بالقوة والاحتيال. وبهذا يفعل القوي ما يشاء، ويعاني الضعيف ما يفرض عليه من معاناة. بسلوك هذا الطريق، لن يتسنى الوصول إلى أقرب مسافة من "المجتمع الصالح" إلا من خلال استخدام أدوات عصر المعلومات الجديدة لتأسيس التسلسل الهرمي الذي يستأثر بموجبه الفائز بكل شيء، لكن بطريقة رقيقة متمهلة، وليس بالوحشية ذاتها التي كانت في الماضي. ليس من المرجح أن يقودنا أي من هذه الخيارات إلى أي تحسن، وبعضها من غير الممكن حتى أن يتحقق. كانت مشكلة النيوليبرالية الكبرى أنها حرمت المجتمع من الاستثمار طويل الأجل، سواء في التكنولوجيا المعززة للإنتاجية أو في الأغلبية العظمى من الناس. وكانت مشكلة الديمقراطية الاجتماعية أن أغلب الناس لا يريدون أن يكونوا متلقين سلبيين للمزايا الحكومية، بل يريدون القوة الاجتماعية التي تمكنهم من اكتساب "وبالتالي استحقاق" حصتهم من الفطيرة متنامية الحجم. أهو ضرب من الخيال أن نتصور أن توليفة مثمرة وفاعلة من هذه الخيارات لا تزال في حكم الممكن؟ أو أنني مجرد ثور عجوز ظل طوال حياته المهنية يبحث عن مثل هذه التوليفة؟ بالنظر إلى البدائل، لا أرى أي خيار آخر سوى الاستمرار في الدفع بالعبء ذاته حول الدائرة ذاتها. فأنا كمثل مارتن لوثر، لا أستطيع أن أفعل غير ذلك. خاص بـ«الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :