إن رغبة الرئاسة الأرجنتينية في المضي قدما على جميع الجبهات -الإدارية والتشغيلية والتنفيذية والتشريعية- هي التي تضمن استمرارية هذه الإصلاحات الصغيرة والكبيرة التي أسهمت في تحسين العملية الإدارية بمعدلات سريعة للغاية. ولم تكن الإصلاحات تدريجية. فبعض التغييرات جاءت كصدمة حقيقية، مثل بدء استخدام الملفات الإلكترونية الذي تطلب تدريب عشرات الآلاف من موظفي الإدارة العامة الذين اعتادوا استخدام الملفات الورقية. ويعمل المجلس الوطني للتحديث على تعميم استخدام الملفات الإلكترونية على مستوى الإدارات المحلية أيضا، وتبذل جهود كبيرة في الوقت الحالي لتطبيق نظام الملفات الإلكترونية على مستوى السلطات القضائية أيضا. وعندما بدأت عملي في مكتب مكافحة الفساد، لم يكن يحق الاطلاع على أي قواعد بيانات حكومية. أما الآن فيحق لنا الاطلاع على أكثر من 15 قاعدة بيانات. وفي العام الأخير لإدارتنا سيتم إجراء مراجعات مكثفة لقواعد البيانات بمقارنتها ببعضها بعضا، ما سيتيح لنا التحقق من الذمم المالية لموظفي القطاع العام وممتلكاتهم وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية. ومن الإجراءات التي تم اتخاذها لإتاحة مزيد من البيانات للجمهور، فإن جميع قواعد البيانات متاحة على الموقع، وتنشر على الموقع أيضا.www.datos.gob.ar الإلكتروني البيانات الخاصة بإقرارات 45 ألف موظف في الذراع التنفيذية للخدمة المدنية الذين يفصحون عن ممتلكاتهم وذممهم المالية لمكتب مكافحة الفساد. ونحن البلد الوحيد الذي يقوم بنشر جزء كبير من هذه المعلومات بشفافية وتحديثها سنويا. وتوجد كذلك معلومات عن التعدين، واستغلال الغاز والبترول في الأرجنتين، وبيانات عن السكان والتعليم، وبيانات مرتبطة بالصحة العامة والاقتصاد. واستعادت الميزانية الأرجنتينية شفافيتها السابقة، بل أصبحت أكثر شفافية، وكانت شفافية الميزانية قد تراجعت -مع الأسف- خلال الأعوام الماضية. واستعاد أيضا نظام الإحصاءات العامة الأرجنتيني جودته، وهذه البيانات ليست غير ذات أهمية عندما يتعلق الأمر بإبلاغ الوكالات الدولية. إن الخطوة المهمة التالية، فستشهد الشهور التالية إعداد خطة وطنية لمكافحة الفساد على مدار الأعوام الخمسة المقبلة، ولن تستند الخطة إلى مسؤوليات مكتب مكافحة الفساد وحده، بل ستشارك فيها جميع الدوائر الحكومية والوزارات، حيث تسهم كل جهة بسياسات قطاعية محددة في نطاق اختصاصها، بما في ذلك الوكالات الرئيسة غير المركزية، مثل إدارة الضمان الاجتماعي، أو مصلحتي الضرائب، أو الجمارك، أو على سبيل المثال الوكالة المسؤولة عن تنظيم جودة الغذاء والدواء في الأرجنتين. وبشأن تقييم النجاح وقياسه، لا يمكن لأي بلد في العالم التعافي من المرض المسمى الفساد، لأن تلك الدول التي ترتفع فيها مستويات الشفافية والرقابة الداخلية عادة ما تكون ممارساتها في الخارج ضعيفة. لذلك يبدو لي أن العمل متعدد الأطراف أمر ضروري لمنع الفساد ومكافحته. وتشارك الأرجنتين في مجموعة مسؤولي النزاهة العامة المنبثقة عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، كما ترأس مجموعة العمل المعنية بمكافحة الفساد المنبثقة عن مجموعة العشرين. ورغم أنه لا يمكن لأي بلد التخلص من الفساد تماما، فإن ما يميز بلدا عن الآخر هو كيفية تعامل المؤسسات مع هذا المرض. وفي حالة الأرجنتين، أرى أنه يمكن قياس الفساد من خلال الإصلاحات الكبيرة والصغيرة، التي تتسم بالاستمرارية والاستدامة التي لا يقتصر تنفيذها على المستويات الفيدرالية أو الإدارية، بل تشمل أيضا السلطة القضائية والمقاطعات والبلديات. وإذا ما استمر تنفيذ هذه الإصلاحات الكبيرة والصغيرة على مدار الأعوام العشرة المقبلة، فسيكون ذلك هو مقياس نجاح هذه المرحلة.
مشاركة :