ماجد كيالي يكتب: ما يجب قوله بخصوص التحولات السياسية الفلسطينية

  • 3/16/2023
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في نقاش الموضوع الفلسطيني يغيب عن بال كثر عديد من المسائل التي يفترض أنها مؤسّسة، أو ذات دلالة سياسية مؤثّرة، وحاكمة، فيما يتعلق بالمسارات التي خاضتها الحركة الوطنية الفلسطينية، وبرؤيتها لذاتها، ولمآلاتها. مثلا، فإن الحركة الوطنية الفلسطينية، التي بات عمرها اليوم 58 عاما، قضت نصف ذلك العمر وهي في الخارج، أو في المنفى، في بلدان اللجوء (1965ـ 1994)، وتبعا لذلك فإن تلك الحركة كفت، منذ تحولها إلى سلطة عن كونها حركة تحرر وطني، وهو ما يشكل نصف عمرها الثاني، الذي بدأ مع قيام السلطة في الضفة وغزة إلى الآن (1994ـ ). وفوق هذين، فإن تلك الحركة كانت انطلقت أصلا في العام 1965، أي قبل حرب 1967، كانت توخت تحرير فلسطين، وتقويض الكيان الصهيوني، وبررت نفسها بذلك المشروع، لكنها بعد احتلال إسرائيل الضفة والقطاع (1967)، تحولت القيادة الفلسطينية نحو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، أي إنها كفّت، أيضا، عن طرح الشعارات التي تأسست عليها وقتذاك، لحظة انطلاقها، وذهبت، أو نكصت، نحو هدف اخر. هكذا يمكن معاينة ذلك النكوص، بمحاولة تحقيب التطورات او التحولات التي عرفتها التجربة الوطنية الفلسطينية في عديد من الخطوات، مثلا، فقد اقترن الإنجاز الوطني التاريخي المتمثل بالاعتراف العربي والدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، بالتنازل أو بتطبيع المشروع الوطني الفلسطيني مع السياسة العربية المتعلقة بإزالة آثار عدوان حزيران/يونيو (1967)، أي تماهي منظمة التحرير مع النظام السياسي العربي. ففي حين كان الجانب الأول، أي الاعتراف بالمنظمة، ذو مغزى إيجابي، ونتاج للكفاح الوطني الفلسطيني، كان الجانب الثاني، أي التنازل عن الرواية الفلسطينية يأكل من الجانب الأول، أو يطمسه، أو يجوفه. وبالنتيجة فمنذ ذلك الوقت حيث غرست في الوعي الفلسطيني قصة المصالحة مع الصهيونية، وقصة واقعية الاعتراف بوجود إسرائيل، بات المشروع الوطني الفلسطيني إلى أفول وتصدّع بالانتقال من ملف 1948 الى ملف 1967 ومن سردية النكبة الى سردية الاستقلال في دولة لجزء من شعب على جزء من ارض في البرنامج المرحلي (1974). النقلة الأخرى، حدثت عد بانتهاء الظاهرة المسلحة في الخارج/ بالخروج من لبنان، إثر اجتياح إسرائيل له (1982)، فبذلك انتهى الشكل الأساسي الذي نشأت عليه الحركة الوطنية الفلسطينية؟ بعد ذلك تم اقفال الجانب السياسي والكفاحي في العمل الوطني الفلسطيني في الخارج، ولم يخفف من ذلك سوى تحول مركز ثقل العمل الفلسطيني الى الداخل، ولاسيما اندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى (1987ـ1993)، التي رغم تأثرها بتفاعلات الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج إلا انها أتت وليدة تجربة الانتفاضات والهبات الشعبية في الداخل. لكن النقلة الأهم، التي قفلت كل النقلات السابقة، سياسيا وكفاحيا، وحتى على مستوى شكل الحركة الوطنية الفلسطينية، والعلاقة مع الشعب الفلسطيني حدثت مع اتفاق اوسلو (1993) إذ هنا نشأت السلطة الفلسطينية، ككيان سياسي لفلسطينيي الضفة وغزة، وتم تهميش منظمة التحرير الفلسطينية، وتم الاعتراف بإسرائيل، كما تم حصر الكفاح الفلسطيني بالمفاوضة معها. وعلى رغم أن الانتفاضة الثانية أتت، في بعض وجوهها، كمحاولة للتمرد على تملص إسرائيل من اتفاق أوسلو، إلا أن تلك الانتفاضة، التي غلب عليها شكل الكفاح المسلح، ثم رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ومجيء الرئيس محمود عباس، والعودة إلى الارتهان لخيار السلطة، والمفاوضة، لم يغير من المعادلات شيئا، حتى الآن، إذ انتهى زمن فلسطيني سابق، أو الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج، وبات ثمة طبقة سياسية، مستهلكة ومتقادمة، تسيطر على الحقل السياسي الفلسطيني وتطبعه بطابعها، وتأخذه نحو الخيارات التي تضمن استمرار مكانتها ومصالحها وامتيازاتها، على رغم مواصلة إسرائيل تعزيز هيمنتها على الفلسطينيين، وعلى أراضيهم ومواردهم، وتعزيزها الاستيطان، وتهميشها للكيان الفلسيطيني، في واقع تسيطر فيه هي على كل شيء. الآن فإن إدراكات الفلسطينيين تقف إزاء إشكاليتين، أولاهما واقع هزيمة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة في صراعها مع إسرائيل، وضرورة الإقرار بذلك لحث الجهود في البحث عن بدائل، بعيدا عن الانكار والاوهام، علما وأن ذلك لا يعني هزيمة الشعب الفلسطيني، وعلما وأن قيادة تلك الحركة تقر بتلك الهزيمة عمليا، لكن من دون أن تعترف بها أو تصارح بها شعبها. وثانيتهما، تكييف تلك الحركة نفسها مع واقع إسرائيل وهيمنتها في المنطقة، ما يضع الفلسطينيين إزاء هزيمة مضاعفة، وهو ما يتمثل أساسا بالتكيّف مع سياسات إسرائيل كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية مصطنعة وغير شرعية، منذ قيامها، إلى الاعتراف بها، والتعامل كأن الصراع بدأ مع احتلال (1967). ثمة طريقان وخياران، لكن الطريق الأول، هو الذي يمكن ان يغذي الأمل، وأن يؤكد سعي الفلسطينيين لمواصلة طريقهم، على أساس استنباط الدروس من التجربة الماضية، لتجديد بني وخطابات واشكال عمل حركتهم الوطنية، بدلا من الإبقاء عليها في حالة تكلس، أو أسيرة تجربة انتهت وانقضت.

مشاركة :