أحفاد زرقاء اليمامة

  • 2/8/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

زرقاء اليمامة في عصرنا ليست تلك المرأة التي رأت أبعد مما يرى الناس من حولها، فقد خدعهم الغزاة وهم يحملون أغصان أشجار يغطون بها رؤوسهم بحيث يبدون في نظر أصحاب العيون الكليلة أشجاراً تمشي. زرقاء يمامة أيامنا أو أزرقها هم المثقفون الذين لم يستجيبوا لمطرقة التدجين، ولم يقولوا إن الشمس تشرق من الغرب أو الشمال أو أن الأرض مربعة ولا تدور. هؤلاء على ندرتهم قرعوا الأجراس حتى كلت أيديهم ومنهم من نفد الحبر منه فبرى أصابعه كأقلام الرصاص وكتب بها. ومنهم أيضاً من كتب بآخر ما تبقى له من الحياة وهو عَرَقه ودموعه ودمه! وفي حمى التعميم والأحكام الجائرة يؤخذ الصالح بجريرة الطالح، ويختلط القمح بالزؤان لأن الغربال واسع الثقوب، والمعيار رهينة من يملك الثمن. إن ما يكتب عن النخب والمثقفين بالجملة كما لو أنهم متشابهون كقطع الغيار أو المسامير يفتقر إلى العدل وأنصاف من غردوا خارج السرب وعوقبوا على صدقهم وعلى بصرهم وبصيرتهم كما حدث لجدتهم الزرقاء! هؤلاء منهم من تحول إلى رميم في قبره وطواه النسيان، فنحن نعيش عالماً قال عنه ناظم حكمت إن الأحياء فيه لا يذكرون موتاهم أكثر من عام وأحياناً أقل من ذلك بكثير. وهم جديرون بالاعتذار مرتين، مرة على الاستخفاف بهم أثناء حياتهم وعدم تصديق ما قالوه وحذروا منه، ومرة أخرى على الخذلان بدلاً من العرفان، وما من أحد عبر عن دور النخبة الضالة والمضللة معاً كالراحل سعد الله ونوس في مسرحيته الفيل يا ملك الزمان، وهي باختصار تروي حكاية أحد السادة الذي اشترى فيلاً وتركه يتنزه في الشوارع بحيث يسحق كل يوم طفلاً أو أكثر. وعندما قرر القوم اختيار واحد من النخبة كي يشكو باسمهم الفيل إلى صاحبه، خذلهم وقال للسيد إنه يشعر بالحزن على الفيل لأنه يعيش وحيداً وبلا عائلة وطلب منه باسم من اختاروه وأناطوا به الكلام نيابة عنهم أن يحضر للفيل أنثى كي ينجب منها أطفالاً، وبالفعل لبى السيد طلب ذلك الرجل، وتضاعف عدد الأطفال الذين تسحقهم الفيلة! مقابلة هذه العينة من النخبة الضالة ثمة أحفاد لزرقاء اليمامة بحت أصواتهم وهم يقولون لنا.. إن ما نراه ليس أشجاراً تمشي بل هم غزاة يسبقهم لعابهم إلى حدودنا!

مشاركة :