القاهرة - واجهت عدة أعمال درامية خلال الموسم الرمضاني الحالي انتقادات مختلفة منذ انطلاق بثها، لكنها لم تكن بحجم سيل الانتقاد اللاذع الذي تعرض له المسلسل المصري "سره الباتع" للمخرج خالد يوسف. والمسلسل الذي يتناول فترة الحملة الفرنسية لمصر مأخوذ من رواية للكاتب يوسف إدريس تحمل نفس العنوان وقد مثل فرصة لعودة خالد يوسف للوقوف خلف عدسات الكاميرات، بعد اختفائه عن الساحة الفنية لأكثر من أربع سنوات. وأثار خالد يوسف جدلا يبدو أنه لا يكاد يخمد ليتجدد مع حماسة متابعيه لتقفي عثرات المسلسل وأخطائه التاريخية وتوالت الانتقادات لتطال الديكور والأزياء وحتى الممثلين، إذ ما أن تنتهي أزمة إلا ويواجه "سره الباتع" أزمة جديدة كان آخرها الجدل حول موسيقاه التصويرية لراجح داوود. وأشار الجمهور منذ الحلقة الأولى إلى أن الموسيقى هي نفسها المُستخدمة في فيلم "الريس عمر حرب" التي سبق وقدمها الموسيقار مع خالد يوسف أيضا، ولم يعلق داوود على الأمر، إلا أنه خير أخيرا الخروج عن صمته وتوضيح ما يحدث. وقال راجح داود في بيان قام بنشره عبر صفحته على فيسبوك "تعاقدت على تأليف الموسيقى التصويرية لمسلسل سره الباتع من سيناريو وإخراج خالد يوسف، وبعد حضور المخرج جلسات العمل وموافقته على كل التعديلات والشكل النهائي للموسيقى التصويرية التي ألفتها خصيصا للعمل، تم التسجيل والتعاقد بالشروط المعروفة وهي حق الملكية للشركة وواجب التزامي بالتسليم في الموعد المحدد وقد تحقق هذا بالفعل والتزمت به". وأضاف "فوجئت في الحلقة الأولى باستخدام موسيقى كنت قد ألفتها لعمل آخر وهو فيلم (الريس عمر حرب) لنفس المخرج وعندما أبديت اعتراضي أخبرني بأنه لا توجد مشكلة فهذه الموسيقى من تأليفي وهذا هو فيلمه، وبرغم عدم اقتناعي إلا أنني آثرت الصمت حتى لا يؤثر كلامي على استقبال الجمهور للمسلسل في بداياته". وتابع "رغم اتهامي من البعض بأنني أكرر نفسي، لكني تجاهلت هذه الاتهامات غير الحقيقية وقلت إنها مرة ولن تتكرر، إلا أنني بعدها لاحظت في الحلقات التالية استخدامه المتكرر لموسيقى وجمل لحنية كثيرة ليست من تأليفي ولا أعرف من هو مؤلفها، برغم أن اسمي مكتوب على التيتر كصاحب موسيقى العمل من بدايته لنهايته، هنا لم أستطع الصمت، فهذه مسؤولية وضمير فني وقواعد مهنية يجب أن تحترم". وأكد "تعودت أن احترام جمهوري وذلك من صميم احترامي لنفسي، وأنه من قبيل الجريمة بالنسبة لي أن تنسب لي موسيقى لم أؤلفها أو أقتبس ولو جملة من مؤلف موسيقي آخر وأنسبها لنفسي، وما فعله المخرج خالد يوسف لا يجوز بأي حال من الأحوال ولا تحت أي ظرف من الظروف ولا يمكن تبريره بدعوى أن هناك أجزاء ناقصة تحتاج لموسيقى، برغم موافقته بعد سماع الموسيقى كاملة، لأن المسؤول أولا وأخيرا هو أنا المؤلف الموسيقي راجح داود الذي لا يقبل إطلاقا أن يقال عنه إنه أخذ جملة من زميل هنا أو هناك، احتراماً لذاتي ولتاريخي ولمهنتي، لذلك أعلن في هذا البيان عدم مسؤوليتي عن تلك الزيادات الموسيقية التي ليست من تأليفي، وأحمل المسؤولية كاملة للمخرج وليس شركة الإنتاج". وكشف راجح داود في تصريح لموقع "إي تي بالعربي" أنه لا يعتزم مقاضاة المخرج، قائلا "لا أريد الدخول في المشاكل.. ولا علاقة لي بالترندات، فقط أردت تبرير ما حدث لجمهوري الذي أحترمه وأنني بريء من هذا التشابه وأن هناك موسيقى مستخدمة لا أعرف عنها شيئا ولست مسؤولا عنها". وكان خالد يوسف قد برر موقفه باستخدام تيمة موسيقية مشابهة لأحد أفلامه، حيث قال لذات المصدر في وقت سابق "من قال إن هناك قطعة موسيقية شبه متطابقة مع قطعة من الريس عمر حرب فهذا صحيح، لأنها نفس القطعة وليست شبيهتها.. يعني أنا استخدمت تيمة موسيقية من موسيقى راجح داوود في الريس عمر حرب.. ولا أفهم ما الخطأ في ذلك؟.. هذا الاستخدام من حقي المطلق ولا حق لأحد مناقشتي فيه"، مشددا على أن للمخرج الحق باستخدام ما يراه ملائما للحالة الوجدانية للمشهد. وكتب مؤلف موسيقى يدعى عمرو إسماعيل على حسابه بتويتر "الموسيقار راجح داوود نشر بيانا ضد صناع مسلسل سره الباتع الذين استخدموا مقطوعات موسيقية سبق وأن استخدمت في فيلم الريس عمر حرب لنفس المخرج بالإضافة إلى مقطوعات لمؤلفين آخرين مما يضر باسمه.. هذا يا سادة جزء من المهازل التي تحصل مع الموسيقى التصويرية". وأفاد معلق على فيسبوك اسمه محمد صالح أن شقيقه المؤلف الموسيقي أحمد صالح أخبره أن هناك موسيقى "دخيلة" على موسيقى راجح داود في "سره الباتع"، وردا عليه قلت له "هذه مجرد أوهام، فأكيد الموسيقار بصدد تجربة أشياء جديدة وهذا من وحي الإلهام الذي لا يمكن للعامة من الناس فهمه، إلا أن شقيقي أصر على أن الموسيقى لا علاقة لها بالمؤلف". وتابع أنه "استبعد الفكرة واستنكارها"، معتبرا أن خالد يوسف لا يمكن أن يغامر باستخدام موسيقى شخص آخر على أنها من تأليف راجح داود، إلا أن بيان هذا الأخير لم يترك مجالا للشك. ووجه محمد صالح رسالة إلى خالد يوسف قائلا "أظن كفاية عليك فن وسياسة". ويبدو أن الانتقادات دفعت بالمخرج إلى اتخاذ قرار مفاجئ أعلن فيه أنه لن يقدم دراما تلفزيونية ثانية بعد "سره الباتع". وجاء ذلك خلال استضافته في برنامج "تفاعلكم" الذي يعرض على موقع يوتيوب، حيث أكد أنه "قدم إسهاما في الدراما التلفزيونية"، معربا عن نيته بالاكتفاء. وتتناول قصة "سره الباتع" ليوسف إدريس عصر الحملة الفرنسية على مصر، ويتضمن جوانب من الحركات الشعبية، كما تدور الأحداث حول مواطن مصري يقتل أحد جنود الحملة الفرنسية، مما يستدعي إطلاق حملات مطاردة من أجل العثور عليه، خاصة أن له علامة مميزة جدا وهي أنه مبتور الإبهام ويحمل وشما لعصفورة على وجنتيه، لكن جيوش نابليون تقع في ورطة حينما يقطع عدد من الشباب في القرية التي يحتمي بها البطل أصابعهم ويرسمون وشما مشابها لوشمه. وأعاد المخرج معالجة العمل وربط القصة بما حدث في 30 يونيو/حزيران 2013، عندما أُطيح بالرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي عن حكم البلاد. لتتوالى أحداث المسلسل في خطين متوازيين، الخط الأول وهو كفاح بطل القصة الرئيس السلطان حامد ضد الاحتلال الفرنسي لمصر، أما الخط الثاني، فهو نضال حامد الصغير ضد جماعة الإخوان المسلمين التي وصلت إلى الحكم في يونيو/ حزيران 2012. لكن يرى بعض المشاهدين أن العمل حافل بالأخطاء التاريخية والفنية، حيث كتب شاعر ومدرس يدعى أشرف السيد الشربينى تدوينة على صفحته بفيسبوك جاء فيها "سره الباتع به بعض الأخطاء التاريخية والفنية، فخالد يوسف لم يهتم بفكرة أنه يعرض التاريخ كما هو قدر اهتمامه بتوصيل فكرة معينة". وأضاف "لو أنه تم الاستعانة بمُراجع تاريخي.. كان سيكون أفضل، لأنه بذلك ستكون قد تحققت نفس الفكرة ووصلت المعلومة التاريخية سليمة بدون أخطاء تاريخية أو على الأقل بأخطاء أقل"، لافتا إلى أن "العمل كفكرة متميز جدا، لكنه باختياره لموضوع تاريخي وضع نفسه أمام النقد". وهذا ما أكد عليه معلق آخر يدعى شريف شعبان قائلا "تريد أن تنجز مسلسلا تاريخيا؟ عليك أن تستعين بخبير في التاريخ يضع لك تصورا واضحا لديكورات الأحداث التاريخية وأزياء الشخصيات وماكياجها وإكسسواراتها وطريقة كلامها وأقل تفصيلة به". وأعرب عن أسفه للاستسهال الذي ظهر في المسلسل بداية من عربات الكارو التي ظهرت أساسا مع نابليون نفسه واستمرت خلال عصر محمد علي باشا والأزياء العجيبة التي ظهر بها الفلاحون ومجاميع الجيش الفرنسي الذين لا علاقة لهم بفرنسا، بالإضافة إلى الحوار السطحي. وكان ظهور المماليك في أحد المشاهد بأحذية رياضية من صنع شركة "أديداس" قد أثار موجة من السخرية على المواقع الاجتماعية ضد صناع المسلسل. كما أن ظهور الممثلة التونسية رانيا التومي التي تلعب دور عالمة مصريات بالعمل قد زاد من حدة الهجوم على خالد يوسف وفتح بابا آخر للجدل حول زوايا تصويره للشخصيات والأحداث وفق رؤية استنكارها الكثير من رواد الشبكات الاجتماعية. وتصدرت رانيا التومي الترند ومحرك البحث غوغل مع تصاعد الاتهامات التي وجهت إلى المخرج خالد يوسف. وشارك المغرد [email protected] مشهد لرانيا التومي معلقا عليه بالقول "هذه رؤية مخرج الروائع خالد يوسف في شكل عالمة آثار في مسلسل سره الباتع، تحس أنها عالمة من شارع محمد علي عالمه ببواطن الأمور". في حين أشار معلق آخر [email protected] إلى أن "سره الباتع تقريبا سيضيع عليا رمضان"، في إشارة إلى ما ظهر من مفاتن عالمة الآثار المصرية بالمسلسل. وعلقت صفحة باسم "بتاع سيما" على فيسبوك بأن "المفروض أن الفنانة التونسية رانيا التومي تجسد دور عالمة مصريات في المسلسل لذلك فإنه من متطلبات الدور أن يكون لها خلفيه حضارية كبيرة وأكثر واحد يقدر المواهب أكيد المخرج خالد يوسف.. إن المسلسل مخيب للآمال". وأوضح المعلق محمود الحريرى أبوفارس أن المخرج قدم في مداخلة إذاعية تبريرا للشكل الذي ظهرت عليه النجمة التونسية، مؤكدا أن "الدور يتطلب بنت من أصول فرنسية وتتميز بوجه جميل وجسم مغري جدا مبعوثة من عصابة دولية من أجل سرقة الآثار". والمسلسل لا يعد وفق مخرجه إلا أن يكون دراما عصرية تاريخية أحداثها تدور ما بين زمنين.. العصر الحاضر وعصر الحملة الفرنسية على مصر في العام 1798، وهي قصة تاريخية مستوحاة من قصة للأديب الكبير الراحل يوسف إدريس (سره الباتع) وبمعالجة درامية وسيناريو وحوار وإخراج لخالد يوسف. ويضم العمل أكثر من 60 نجما ونجمة منهم أحمد فهمي وأحمد السعدني وحنان مطاوع وريم مصطفى وحسين فهمي وبيومي فؤاد وهالة صدقي ومنه فضالي وأحمد عبدالعزيز والكويتية شمس والتونسية رانيا التومي والسوري نضال نجم.
مشاركة :