الكويت فرّطت في أهل النزاهة والعزم والحنكة والرأي وتخلت عنهم، فانتشرت أمراض مهلكة لأي أمة، كتفشي الرشوة والتزوير في كل شيء، وضعفت الرقابة عندما غاب أو غُيّب أصحاب الضمير. طلال عبدالكريم العرب لا إفراط ولا تفريط، مقولة من الواجب الالتزام بها، أفراداً وحكومةً، ومجالس منتخبة، لكنها مقولة بعيدة كل البعد عن الوضع السائد في عمومه في الكويت. فالكويت أفرطت وأسرفت في أموالها بلا حكمة ولا روية، وفرّطت وتنازلت عن حقوقها الداخلية والخارجية من دون أن يرف لها جفن، أفرطت في هدر أموالها النفطية وأغدقت على القريب والبعيد في كرم حاتمي بما لم تفعله أي دولة أخرى، من أجل كسب سياسي أو طمع بلقب إنساني. ولكن ما حصل أن هذا اللقب تحديداً لم ينفع الكويت بشيء، ولم يجلب علينا إلا الاستهزاء والتندر، لأن هذا الإفراط السخي في أموال البلد في نظر الأمم الحية هو تفريط في ميزانية بلد هو في أحوج ما يكون إليها من أجل صرفها على مشاريع تنموية واستثمارية، كما أنه فتح علينا أبواب الطمع وطلب المزيد وإلا تعرضت الكويت الى الابتزاز، وهذا فعلا ما حصل ويحصل، فالكويت وشعبها تعرضا للمسبة والمهانة عندما تلكأت عن التفريط بالمزيد من أموال البلد. الكويت أفرطت في رفع الأجور بما لا يتناسب مع ساعات العمل الحقيقية، والجهد المبذول، وأفرطت في استرضاءات وشراء ولاءات لم تنفع الحكومة بشيء، بل أضرتها وأضرت ميزانيتها، وأفرطت حتى في العطل والإجازات بما لم تفعله أي دولة أخرى، فما أكثر ما أفرطت به الكويت وفرّطت به وما أقل منفعتها منها. الكويت فرّطت في أهل النزاهة والعزم والحنكة والرأي وتخلت عنهم، فانتشرت أمراض مهلكة لأي أمة، كتفشي الرشوة والتزوير في كل شيء، وضعفت الرقابة عندما غاب أو غُيّب أصحاب الضمير. الكويت فرّطت حتى في رمالها، فكلنا يذكر قضية «السطو على الرمال» وهي تندرج تحت مسمى إحدى سرقات العصر، لكثرتها، فهل استرجعت أموالها؟ وهل كُشف عن الحوت الكبير الذي كان وراء تلك السرقة؟ وهل تمت ملاحقة من وجهت لهم تهمة السرقة والقبض عليهم؟ وهل هناك من حاسب الذين فرّطوا في الرقابة على ممتلكات البلد؟ وهل يعقل أن أحداً لم يلاحظ تلك السرقة المهولة التي استمرت لسنوات؟ هل يعقل أن أحداً في البلدية أو الداخلية أو حتى المختار لم يلاحظ على مدى سنوات هذه السرقة؟ كيف يحدث هذا في بلد المؤسسات المنتخبة والهيئات الرقابية الكثيرة والصحافة الحرة ونواب ونوائب الأمة الذين «صكوا» رؤوسنا بالويل والثبور وعظائم الأمور للفسّاد وسّراق المال العام؟
مشاركة :