تصحيح سياسة المالية العامة على النحو الملائم وفي الوقت المناسب يمكن أن يخفض الديون، لكن الدول التي تمر بحالة من المديونية الحرجة تحتاج إلى منهج أكثر شمولا. وارتفع الدين العام إلى مستوى قياسي أثناء فترة الجائحة، وفاق إجمالي الناتج المحلي العالمي. والآن، مع استمرار ارتفاع الدين الحكومي، يضيف كل من ارتفاع أسعار الفائدة وقوة الدولار الأمريكي إلى تكاليف الفوائد، التي تشكل بدورها عبئا على النمو وتذكي المخاطر على الاستقرار المالي. ونظرا إلى أن عديدا من الاقتصادات يعاني بالفعل حالة مديونية حرجة، نبحث في أحد الفصول التحليلية في أحدث تقاريرنا عن آفاق الاقتصاد العالمي، ما السياسات التي تحقق أفضل النتائج لتخفيض نسبة الدين العام "أو نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي"، بشكل دائم؟ استخدمنا بيانات تغطي عقدين، فوجدنا أن انكماش المالية العامة المصمم بشكل ملائم ويبلغ نحو 0.4 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي -متوسط الحجم في عينتنا- يخفض نسبة الدين بمقدار 0.7 نقطة مئوية في العام الأول، وبما يصل إلى 2.1 نقطة مئوية بعد خمسة أعوام. لكن توقيت التصحيح يمكن أن يحدث اختلافا في تأثيره. وتزداد احتمالية تخفيض نسب الدين من خلال ضبط الأوضاع المالية عن السيناريو الأساسي "المتوسط" بنحو نصف إلى ثلاثة أرباع عندما ينفذ في فترة من الانتعاش المحلي والعالمي، أو أثناء فترات تشهد تيسيرا في الأوضاع المالية وانخفاضا في عدم اليقين. وعملية التصميم مهمة كذلك. ففي الاقتصادات المتقدمة، من المحتمل أن يكون تأثير تخفيضات الإنفاق في انخفاض نسب الدين أكبر مما تحدثه زيادة الإيرادات. وتزداد كذلك احتمالات النجاح حينما يتم تعزيز ضبط أوضاع المالية العامة من خلال إصلاحات هيكلية داعمة للنمو وأطر مؤسسية قوية. ويفسر ذلك لماذا لم يكن ضبط أوضاع المالية العامة يخفض نسب الدين عادة في الماضي - فلم تكن الظروف ملائمة ولم يكن للسياسات المصاحبة وجود. وهناك عوامل مهمة تفسر سبب عدم نجاح ضبط أوضاع المالية العامة وحده في تخفيض مستويات نسب الدين في نحو نصف الحالات: أولا، ضبط أوضاع المالية العامة في الأغلب ما يبطئ نمو إجمالي الناتج المحلي "راجع الفصل الثالث في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، 2010". ثانيا، تقلبات أسعار الصرف والتحويلات إلى المؤسسات المملوكة للدولة أو الالتزامات الاحتمالية، يمكن أن توازن جهود تخفيض الديون. وهذه العمليات "أسفل الخط" يمكن أن تزيد الديون، رغم أوجه تحسن الرصيد الأولي "الذي من شأنه عادة أن يخفض الديون". ومن الأمثلة على ذلك التحويلات غير المتوقعة التي قدمتها الحكومة إلى المؤسسات المملوكة للدولة في المكسيك (2016)، وتسوية الحكومة في اليونان للمدفوعات متأخرة السداد (2016)، وقيد جميعها كبنود أسفل الخط في حساب المالية العامة. وحول إعادة هيكلة الديون، فإنه في حين أن عمليات ضبط أوضاع المالية العامة والإصلاحات الهيكلية الداعمة للنمو المصممة بشكل جيد يمكنها المساعدة على تخفيض نسبها، فقد لا تكون كافية للدول التي تمر بحالة مديونية حرجة أو تواجه مخاطر متزايدة من تجديد الديون. وقد تكون إعادة الهيكلة ضرورية في هذه الحالات - أي إعادة التفاوض على شروط القرض... يتبع.
مشاركة :