بدأت خارطة تجارة التجزئة في مصر تتغير بشكل ملحوظ مع التوسع في العمل بنظام الفرنشايز وتدشين التطبيقات الإلكترونية والبيع عبر الإنترنت، عقب نمو القطاع بشكل كبير في القاهرة الكبرى ومحافظات عديدة. ويلعب النمو الديموغرافي الكبير ووجود فئة عمرية كبيرة من الشباب دورا حاسما في تحقيق مكاسب ديموغرافية للمستثمرين في قطاع التجزئة، إذ يبلغ عدد السكان 105 ملايين نسمة، منهم 58 في المئة تقل أعمارهم عن 30 عاما. ويؤدي تزايد عدد الشباب البالغين، وهم وفق الإحصائيات الرسمية الفئة من 20 إلى 39 عاما، إلى ارتفاع المبيعات في قطاع البيع بالتجزئة الرسمي للأغذية، حيث تميل هذه المجموعة إلى تبني أنماط الاستهلاك الحديثة، وهي على استعداد لإجراء عمليات شراء ذات قيمة أعلى. ودفعت جاذبية هذا القطاع تحالفا بقيادة شركة الاستثمار المباشر الإنجليزية ديفيلوبمنت بارتنرز إنترناشونال (دي.بي.أي)، التي تتركز أعمالها في قارة أفريقيا، إلى استثمار نحو 165 مليون دولار في سلسلة كازيون لمتاجر التجزئة لتمويل توسعاتها عبر افتتاح فروع جديدة. وتشهد الصفقة امتلاك المستثمرين حصة أقلية كبيرة في كازيون، إلى جانب شركة دي.بي.أي. وتضم القائمة مؤسسة تمويل التنمية البريطانية بريتيش إنترناشونال إنفستمنت ومنصة ساوث سويس كابيتال للاستثمار المباشر التي تركز على أفريقيا، من بين العديد من المستثمرين المؤسسين المساهمين مع دي.بي.أي في الاستثمار الجديد بسلسلة كازيون. وتأسست شركة كازيون عام 2014 على يد حسن هيكل، الرئيس التنفيذي المشارك للمجموعة المالية هيرميس سابقا، وهو نجل الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، وتبيع المنتجات الغذائية والمنزلية بأسعار تنافسية. وأعلنت سلسلة كارفور عن خطط للاستثمار بشكل كبير في السوق المصرية عبر ضخ المزيد من الأموال خلال العامين المقبلين، وسوف توجه لفتح متاجر جديدة وتحديث الفروع الحالية، ومن شأن ذلك أن يعزز من أداء سوق التجزئة في مصر. ويأتي هذا الاستثمار وسط أزمة اقتصادية حادة في مصر، ومع استمرار شح العملة الأجنبية، كما تسجل معدلات التضخم أعلى مستوى لها منذ نحو ست سنوات، وهو مؤشر سلبي لنمو مبيعات السلاسل التجارية، فضلا عن أن ذلك يكبل ميزانيات الأسر. وتبرهن استثمارات دي.بي.أي على ثقتها طويلة الأجل في الاستثمار بالسوق المصرية، وربما ترى أن كازيون في معزل عن الضغوط الاقتصادية، كما أن الشركة الإنجليزية تسعى بشكل أساسي لبيع المنتجات الغذائية بأرخص الأسعار في الأسواق. ويعتمد قطاع تجارة التجزئة في مصر على السلع المحلية، ولا يتأثر بالهبوط الحاد لسعر صرف الجنيه، وبصورة محددة سلسلة كازيون، التي تعد المتجر الأقل سعرا لبيع السلع المتنوعة، كونها تمتلك مخزنا هو الأكبر من حيث المساحة بالبلاد يبلغ نحو 10 آلاف متر. وقال أحمد مصطفى، المدير التنفيذي لسلسلة غرين هايبر ماركت، إن “تجارة التجزئة من المجالات الواعدة في مصر، ومن القطاعات الدفاعية التي لا تتأثر بالأزمة الاقتصادية الراهنة، خاصة في حال التركيز على السلع الغذائية”. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن السلاسل التجارية تبرم عقودا جاذبة مع الشركات وتدفعها إلى الالتزام بها وتوفير البضائع المختلفة في أوقات ضعف الإنتاج وتراجع المبيعات. ويسبق دخول منتجات الشركات للسلاسل التجارية تحصيل الثانية للعديد من الرسوم، التي منها الترميز (التكويد) والدخول والمصاريف الإدارية وغيرها، ولذلك تحقق السلاسل مكاسب قبل بيع المنتج وبعده فور أن تضع هامش الربح على السلع. وأضاف مصطفى أن “غرين هايبر ماركت تفتتح فرعا جديدا في حدائق أكتوبر، جنوب غرب القاهرة، على مساحة تصل إلى نحو ألفي متر”. وأكد أن هذه الشركة تدخل نظام الفرنشايز قريبا عبر طرح ثلاثة فروع للسلسلة في مناطق التجمع الخامس والسادس من منطقتي أكتوبر وفيصل القريبة منها، وتستهدف الوصول إلى 12 فرعا بنظام الفرنشايز العام الجاري. كما تواصل سلسلة سبينيس، وهي ثاني أكبر متجر تجزئة أجنبي بالبلاد بعد كارفور، توسعاتها في السوق المحلية، وافتتحت أحدث فروعها مؤخرا بحي المهندسين في محافظة الجيزة القريبة من القاهرة، ضمن خطة توسعية تنتهجها السلسلة للتوسع في محافظات مصرية مختلفة. ويسعى جهاز تنمية التجارة الداخلية التابع لوزارة التموين إلى دعم القطاع وخطط الدولة لإقامة السلاسل التجارية بالمدن الجديدة والعاصمة الإدارية، شرق القاهرة. كما أنه يعمل على تفعيل الشراكة العادلة بين القطاع الخاص والحكومة، تماشيا مع أولويات إفساح المجال للاستثمارات الخاصة وجذب السلاسل للمشاركة في المبادرات المجتمعية مثل “كلنا واحد” لتوفير السلع بأسعار مخفضة. وفي نهاية مارس الماضي، التقى مسؤولو الجهاز مع ممثلي مجموعة من الشركات الإيطالية العاملة في السلاسل التجارية للترويج للفرص في هذا القطاع، والرهان على المبيعات الكبرى لتجارة التجزئة في مصر والتي تصل إلى نحو 55 مليار دولار سنويا. وأكد مهند عدلي، الرئيس التنفيذي لسلسلة سبينيس مصر، أن المجموعة تحرص باستمرار على التوسع وزيادة عدد الفروع في مصر، وتعمل على تطوير خدمة البيع أون لاين لتغطية مناطق جديدة واحتياجات المستهلكين، ومن المستهدف الوصول إلى 26 فرعا بنهاية يوليو المقبل. ويؤدي ارتفاع معدلات التضخم إلى تقويض نمو مبيعات متاجر التجزئة الكبرى، لذلك تركز الغالبية العظمى منها على السلع الغذائية ومنحها الأولوية بشكل أكبر من الأجهزة المنزلية أو الكهربائية. وعلاوة على ذلك، تراهن المتاجر على الخصومات التي تقدمها وبشكل خاص على البيع عبر الإنترنت، الذي يعزز مكاسب السلاسل عبر رسوم التوصيل إلى المنازل. وأوضح عدلي في تصريح لـ”العرب” أن التجارة الإلكترونية شهدت معدلات نمو مرتفعة خلال فترة الوباء، وتشهد خطوات نمو متسارعة الآن، مقارنة بتجارة التجزئة التقليدية. وقال إن “الأزمات أثرت على معدلات التضخم التي تشهد حالة من الارتفاع المستمر، ما يؤدي إلى الضغط على القوة الشرائية للمستهلك”. وارتفع التضخم في مصر إلى 32.7 في المئة خلال مارس الماضي على أساس سنوي من 31.9 في المئة على أساس شهري، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي.
مشاركة :