صدام مع كبار المسؤولين يُطيح بقاضية لبنانية تُحقق في قضايا فساد

  • 5/4/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قرر المجلس التأديبي للقضاة في لبنان اليوم الخميس عزل القاضية غادة عون وجهت تهما لحاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) ولبنوك تجارية، فيما يأتي القرار على خلفية نشرها تغريدة اتهمت فيها سياسيين بالقيام بتحويلات مالية مشبوهة. وعطلت التدخلات السياسية من شخصيات نافذة الكثير من التحقيقات منها تلك المتعلقة بتفجير مرفأ بيروت حيث واجه طارق البيطار المحقق العدلي المكلف بهذا الملف الكثير من الضغوط ومحاولات لعزله. وذهب حزب الله الذي يقود عزل البيطار إلى أبعد من مجرد الضغط، بأن وجه عبر طرف ثالث تهديدات للمحقق العدلي الذي طالب باستجواب نواب ووزراء سابقين من حلفاء الجماعة الشيعية النافذة. وتواجه غادة عون بدورها وضعا مشابها، بينما يبدو ملفها أكثر تعقيدا إذ أنها متهمة بالولاء للرئيس السابق ميشال عون بعد أن فتحت تحقيقات في قضايا تشمل بعض خصومه السياسيين. وجاء قرار المجلس بناء على قرار صادر عن هيئة التفتيش القضائي، استنادا إلى "دعاوى عدّة مقامة ضد عون من جانب متضررين من إجراءات اتخذتها بعدة ملفات عدة ولمخالفتها القرارات الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى وتعليمات رؤسائها"، وفق المصدر ذاته. ويأتي قرار العزل أيضا فيما دخلت القاضية المعروفة بالصرامة في صدام مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (وهو من كبار رجال الأعمال) الذي وجه سلطات إنفاذ القانون بعدم تنفيذ قرارات كانت أصدرتها القاضية عون باعتقال وجلب مطلوبين في قضايا فساد وفي قضية التحقيقات التي تجريها حول شبهات فساد بعدد من البنوك بينها بنك عودة. والعلاقات بين نجيب ميقاتي وميشال عون الذي تتهم القاضية غادة عون بالولاء له وباستهداف خصومه السياسيين، ليست في أفضل أحوالها فقد وقع الرئيس اللبناني قبل ساعات قليلة من انتهاء ولايته مرسوما بإقالة حكومة ميقاتي التي استمرت رغم القرار في تصريف الأعمال. والولاء لميشال عون جعل عملها عرضة لانتقادات ومثيرا للجدل بعدما طالت إجراءاتها جهات سياسية على خصومة مع الرئيس السابق إجمالا. ويُظهر عزل القاضية عون حجم التداخل والتشابك والتضارب بين المصالح وتسييس القضايا، ما تسبب في ضياع العدالة في أكثر من ملف. وتم فتح عدد من التحقيقات المحلية والأجنبية ضد مسؤولين ماليين لبنانيين بعد عقود شهدت إسرافا في الإنفاق وسوء إدارة. وقالت القاضية غادة عون التي حققت في قضايا فساد تحيط بمسؤولين كبار وفي ممارسات القطاع المالي، لرويترز إن المجلس التأديبي اتهمها بالتحيز. وأضافت للصحفيين اليوم الخميس بعد أن غادرت جلسة للمجلس أبلغها خلالها بقرار صرفها من الخدمة "عم بيحاكموني لأني باشتغل شغلي؟... كل شي عملت اشتغلت شغلي، ما عملت شي غلط. هيدي ملاحقات كيدية". وأوضحت أن اتهامات التحيز تستند إلى تعليقات أدلت بها بشأن مسؤولين فاسدين. وذكرت أنها تقدمت باعتراض على قرار المجلس ويمكنها أن تستمر بشكل قانوني في العمل لحين البت في الاعتراض. وقال مصدر قضائي رفيع لرويترز إن المجلس صوت بالإجماع على عزل القاضية بعد شكاوى عديدة ضدها بسبب تحقيقاتها. وفي وقت سابق من هذا العام سعى رئيس الوزراء اللبناني ووزير الداخلية لتقييد تحقيقاتها بشأن البنوك التجارية، قائلين إنها تجاوزت سلطاتها بعد أن اتهمت بنكين بغسل الأموال. واتهمت القاضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة العام الماضي بالكسب غير المشروع، في قضية تتعلق بتحقيقات فساد أوسع نطاقا في لبنان وخمس دول أوروبية على الأقل. واتهم قاض لبناني آخر سلامة، الذي ينفي التهم، بالكسب غير المشروع. وقال نزار صاغية عضو منظمة المفكرة القانونية للحقوق المدنية إن قرار اليوم الخميس هو "رسالة مفجعة للقاضية التي تجرأت على كبار المجرمين". وذاع اسم عون خلال السنوات القليلة الماضية بعد ادعائها على مسؤولين بارزين ومصرفيين وموظفين متورطين في ملفات فساد كبرى، وفق القرارات الصادرة عنها. ومن أبرز الملفات التي تعاملت معها عون منذ بدء الانهيار الاقتصادي في لبنان في خريف 2019، الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وشقيقه وابنه في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بتهمة "الإثراء غير المشروع" عبر حصولهم على قروض سكنية مدعومة. وفي يناير/كانون الثاني 2021، ادعت على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومسؤولة في المصرف المركزي بتهمة "الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة". ثمّ أصدرت مطلع 2022 قرارا بمنعه من السفر على خلفية شكوى قدّمتها ضده مجموعة نشطاء تتّهمه بسوء الإدارة المالية. وفي 17 مارس/اذار 2022، أوقفت شقيقه رجا سلامة على خلفية شكوى تقدم بها ناشطون ضد الشقيقين في شبهات اختلاس وتبييض أموال. ورفض رياض سلامة مرارا المثول أمام عون، معتبرا أن ملاحقتها له تأتي في سياق "عملية ممنهجة لتشويه" صورته، ومؤكدا أنه "لا يمكن للقاضي أن يكون خصما وحكما في آن واحد". وتمرّدت عون مرارا على قرارات صادرة عن مراجع قضائية، بينها مجلس القضاء الأعلى. وأصرّت على متابعة التحقيقات في ملفات رغم كفّ يدها عنها. ورغم الانتقادات التي طالت عملها، إلا أن حقوقيين رأوا في قرار عزلها "وصمة عار" في تاريخ القضاء في لبنان، البلد القائم على المحسوبيات والتوازنات الطائفية وحيث تتدخل السياسة حتى في التعيينات القضائية. وقال المدير التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغية إنّ من أصدر القرار التأديبي بحق عون "لم يعر أي انتباه للتحقيقات التي أجرتها في أكبر قضايا الفساد"، معتبرا أنّ القرار "سيبقى وصمة عار في تاريخ المجالس التأديبية القضائية".

مشاركة :