بيروت- عمّق البنك الدولي من حدود التشاؤم حيال كآبة الاقتصاد اللبناني في ظل الآفاق المسدودة والتي صارت السمة الطاغية على الأوضاع في البلد المنهار ماليا بعدما حطمت المؤشرات السلبية معيشة المواطنين. وحذرت المؤسسة المالية الدولية المانحة من تنامي اقتصاد نقدي بالدولار في لبنان بعدما بات يقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي ويُهدد السياسة المالية ويزيد من عمليات غسل الأموال والتهرب الضريبي. ويشهد البلد منذ 2019 انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم. وقد خسرت الليرة أكثر من 98 في المئة من قيمتها وباتت غالبية السكان تحت خط الفقر على وقع قيود مصرفية مشددة وأزمة سيولة حادة. جان كريستوف كاريه: ما دام الاقتصاد في انكماش ستزداد المعيشة تراجعا جان كريستوف كاريه: ما دام الاقتصاد في انكماش ستزداد المعيشة تراجعا وأورد البنك في تقرير المرصد الاقتصادي للبنان في وقت مبكر الأربعاء أن “الاقتصاد اللبناني ما زال في حالة تراجع حاد، وهو بعيد كل البعد عن مسار الاستقرار، ناهيك عن مسار التعافي”. وأوضح أن “فشل النظام المصرفي وانهيار العملة أديا إلى تنامي ودولرة اقتصاد نقدي يُقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي في عام 2022”. وبينما تهدف السلطات من وراء الدولرة إلى تخفيف التضخم وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، فإنها تهدد أيضا بدفع المزيد من اللبنانيين إلى براثن الفقر وتعميق الأزمة. ويقول المحللون إن مردّ ذلك، هو أن قلة من الناس في لبنان لديهم إمكانية الوصول إلى الدولارات لدفع مشتريات الطعام والضروريات الأخرى بهذه الطريقة. لكن الفساد المستشري في مفاصل الدولة يعني أن القادة السياسيين والماليين يقاومون بديل الدولرة، وهي إصلاحات طويلة الأجل للبنوك والقطاعات الحكومية والتي من شأنها إنهاء الإنفاق المسرف وتحفيز الاقتصاد المتداعي. وتشير التقديرات الدولية إلى أن ثلاثة أرباع سكان البلد البالغ عددهم 6 ملايين يعيشون بين براثن الفقر منذ بدء أزمة 2019. كما أدى انقطاع التيار الكهربائي المعطل ونقص الأدوية إلى إصابة جزء كبير من الحياة العامة بالشلل. ويقدر “الاقتصاد النقدي المدولر”، وفق التقرير، “بنحو 9.9 مليارات دولار أو 45.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي”، ما يعكس “تحولاً سريعاً نحو المعاملات النقدية بالعملات الصعبة في أعقاب فقدان كامل للثقة بالقطاع المصرفي الضعيف وبالعملة المحلية”. ويقول خبراء البنك إن الاقتصاد النقدي “يهدّد بالمساس بفعالية السياسة المالية والسياسة النقدية، ويزيد من إمكانية غسل الأموال، فضلا عن زيادة النشاط الاقتصادي غير الرسمي، والتشجيع على زيادة التهرب الضريبي”. tt وباتت المتاجر في لبنان تسعّر بضائعها بالدولار، كما تدفع شركات عدة رواتب موظفيها بالدولار النقدي جراء القيود المشددة التي تفرضها المصارف على عمليات السحب. ويعتمد لبنانيون كثر على أموال المغتربين من أقربائهم التي يستلمونها من شركات الحوالة بالدولار الأميركي. ويزيد الشلل السياسي القائم في لبنان جراء فراغ سدة الرئاسة منذ أكثر من ستة أشهر الوضع الاقتصادي سوءا، وتدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها الإصلاحات التي يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم. ويقول خبراء اقتصاديون إن القرارات الخاصة بإدارة الأزمة لا تزال تقوض اعتماد خطة تعاف شاملة وعادلة. كما يواجه لبنان أزمة جديدة بإصدار قاضية فرنسية الثلاثاء الماضي مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، الذي تحقق دول أوروبية بثروته وتشتبه بتورطه بعمليات اختلاس وتبييض أموال ضخمة. اللبنانيون ينتظرون بفارغ الصبر أيّ حلّ يضمن لهم الاستقرار الاقتصادي، ويعيد لهم أموالهم العالقة في البنوك، والأهم التحرر من سعر السوق السوداء المتقلبة واعتبر البنك أن “صناعة السياسات بوضعها الراهن ما زالت تتسم بقرارات مجزأة وغير مناسبة لإدارة الأزمة، مقوضةً لأيّ خطة شاملة ومنصفة، مما يؤدي إلى استنزاف رأس المال بجميع أوجهه”. وبلغ معدل التضخم، وفق البنك الدولي، 171.2 في المئة في العام الماضي ليكون من “أعلى المعدلات على مستوى العالم”. ويتوقع خبراء البنك أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة نصف نقطة مئوية إضافية خلال العام الحالي. وتشير تقديرات إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي بنسبة 2.6 في المئة في العام الماضي ليصل إجمالي الانكماش الاقتصادي منذ عام 2018 إلى 39.9 في المئة. وقال المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك جان كريستوف كاريه “ما دام الاقتصاد في حالة انكماش وظروف الأزمة قائمة، ستزداد مستويات المعيشة تراجعا، وستستمر معدلات الفقر في الارتفاع”. وأضاف أن “التأخير في تنفيذ خطة شاملة للإصلاح والتعافي سيؤدي إلى تفاقم الخسائر”. وتعاني البنوك العاملة في السوق المحلية من تراجع في وفرة السيولة منذ نهاية 2019 ناجم عن انهيار أسعار الصرف وتخارج أموال من البلاد وسحوبات كبيرة من جانب المواطنين. وينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر أيّ حلّ يضمن لهم الاستقرار الاقتصادي، ويعيد لهم أموالهم العالقة في البنوك، والأهم التحرر من سعر السوق السوداء المتقلبة، التي تؤثر على أسعار المواد الغذائية والمحروقات والأوضاع المعيشية بأكملها.
مشاركة :