تسود حالة من الإحباط الممزوج بالقلق بين اللبنانيين بسبب الانهيار السريع في قيمة العملة المحلية مقابل الارتفاع المستمر للسلع الاستهلاكية والخدمات، في ظل التقلبات السياسية والاقتصادية التي يعيشها البلد دون نقطة ضوء في نهاية نفق مظلم من الأزمات. بيروت - تختزل أحدث المؤشرات حول تسارع تآكل قيمة العملة اللبنانية حجم التحديات أمام السلطتين السياسية والنقدية اللتين تحاولان بيأس معالجة الاختلال في فرق سعر صرف الدولار في السوقين الرسمية والموازية. وتدهورت الليرة الثلاثاء إلى مستوى غير مسبوق وبلغ سعر صرفها مئة ألف ليرة في مقابل دولار واحد في السوق السوداء، على ما ذكرت مكاتب صيرفة في البلاد الغارقة في أزمة اقتصادية ومالية خانقة. وتم تداول الدولار ضمن نطاق يتراوح بين 99 و100.5 ألف ليرة مقارنة بنحو 15 ألف ليرة لكل دولار لدى مصرف لبنان المركزي، بحسب منصات بيع العملة في السوق الموازية. وكان الدولار بيع الاثنين الماضي في السوق السوداء بسعر 95 ألف ليرة، لكن استمرار الحاجة إلى النقد الأجنبي الشحيح وهلع المواطنين من تراجع أكبر زادا من الطلب على العملة الأميركية. ومرت العملة اللبنانية بسلسلة من التدهور على مدار أربع سنوات فقد كان سعرها يبلغ 1520 ليرة للدولار، وبقي ثابتا ومعتمدا لسنوات وتحديدا منذ 1997، إلا أنها انزلقت في منحدر منذ نهاية عام 2019 مع دخول البلاد في أزمة سياسية واقتصادية. فريد بلحاج: البنك الدولي مستعد لدعم لبنان في الظروف الاستثنائية فريد بلحاج: البنك الدولي مستعد لدعم لبنان في الظروف الاستثنائية ويرجّح خبراء ومحللون أن تتلقى الليرة المزيد من الضربات خلال الفترة المقبلة في ظل تراكم العوامل التي أدت إلى انهيارها، أبرزها التخبط السياسي الذي تشهده البلاد ما جعل الجميع يدورون في حلقة مفرغة. وأشاروا إلى أنه عندما شعرت البلاد بآثار الوباء والانفجار المميت في ميناء بيروت عام 2020 وبعدهما الحرب الروسية – الأوكرانية، قام المركزي ببساطة بطباعة المزيد من النقود، مما أدى إلى تآكل قيمتها وتسبب في ارتفاع التضخم. وانضمت خلال الساعات الماضية عوامل جديدة تمثلت في عودة البنوك المحلية لتنفيذ إضراب مفتوح ما تسبب باضطراب جديد للوضع المالي في السوق. ونتيجة لذلك يقوم المضاربون غير الشرعيين في سوق العملات باستغلال أيّ مؤشر سلبي لتحقيق مكاسب على حساب تدهور العملة المحلية التي فقدت أكثر من 98 في المئة من قيمتها منذ تفجر الأزمة. ويأتي السقوط الحر للّيرة غداة إبلاغ القضاء حاكم البنك المركزي رياض سلامة بوجوب حضور جلسة استماع الأربعاء مع محققين أوروبيين يزورون بيروت للمرة الثانية في إطار تحقيقات حول ثروته، وفق ما أفاد مسؤول قضائي لوكالة الصحافة الفرنسية. وتركز التحقيقات الأوروبية على العلاقة بين المركزي اللبناني وشركة فوري أسوشييتس، المسجلة في الجزر العذراء ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها رجا سلامة، شقيق رياض سلامة. ويُعتقد أن الشركة لعبت دور الوسيط لشراء سندات خزينة ويوروبوند من المركزي اللبناني عبر تلقي عمولة اكتتاب جرى تحويلها إلى حسابات رجا سلامة في الخارج. وفضلا عن ذلك سجل هذا الانحدار التاريخي لليرة في وقت استأنفت فيه البنوك المحلية إضرابا مفتوحا احتجاجا على استمرار صدور أحكام قضائية تقضي باسترداد ودائع لبعض المواطنين وقبول سداد ديون بالعملة الأجنبية عائدة لها بالليرة اللبنانية. كما ألزمتها قرارات أخرى بتسديد ودائع لبعض المودعين بالعملة الأجنبية. وقد وصفت البنوك هذه القرارات بأنها “تعسفية”، مشيرة إلى أنها “تكيل بمكيالين”، بحسب بيان صدر عن جمعية المصارف. ◙ توحيد أسعار الصرف شرط لتأمين المساعدات ◙ توحيد أسعار الصرف شرط لتأمين المساعدات ويعد توحيد أسعار الصرف العديدة أحد الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي للبنان لتأمين حزمة المساعدات التي تشتد الحاجة إليها. وتفرض البنوك المحلية منذ 2019 قيودا على أموال المودعين بالعملة الأجنبية، كما تضع سقوفا قاسية على سحب الأموال بالليرة، فيما يعاني الناس من أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى شح الوقود والأدوية وانهيار القدرة الشرائية. وبعد عدة شكاوى أصدر قضاة قرارات بمنع التصرف بأملاك عدد من المصارف وأموال رؤساء وأعضاء مجالس إداراتها. وأعادت المصارف فتح أبوابها بعدما تدخّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في نهاية فبراير. وفي منتصف الشهر الماضي حطّم العشرات من المودعين واجهات مصارف وأحرقوا إطارات في بيروت للمطالبة بالحصول على ودائعهم العالقة. وكعلامة أخرى على مدى اختناق الاقتصاد بدأت محلات السوبرماركت مطلع هذا الشهر تسعير السلع بالدولار بقرار من السلطات إزاء التراجع السريع في قيمة العملة المحلية. وكانت قد سبقتها إلى ذلك قبل أشهر المطاعم والمتاجر في بلد يستورد 90 في المئة من سلعه. ◙ 100 ألف ليرة سعر صرف الدولار، وهو أدنى مستوى تبلغه العملة المحلية في تاريخ البلاد وارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل هائل منذ العام 2019. ويفيد البنك الدولي أن نسبة التضخم بلغت 332 في المئة من يناير 2021 وحتى يوليو 2022، وهي الأعلى في العالم. ويؤكد برنامج الأغذية العالمي أن التضخم في أسعار المواد الغذائية ارتفع بما يصل إلى 557 في المئة منذ تفجر الأزمة قبل أكثر من ثلاث سنوات. وقالت رشا أبوضرغام المتحدثة باسم البرنامج “نحن نتحدث عن أسرة من كل خمس أسر تواجه صعوبات في تدبير الطعام”. ويزيد الشلل السياسي الوضع سوءا، ففي ظل فراغ رئاسي منذ أشهر تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزيف الحاصل. ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أواخر أكتوبر الماضي، فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة، إذ لا يملك أيّ فريق أكثرية برلمانية تخوّله إيصال مرشح. ومع ذلك أكد رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط فريد بلحاج خلال لقائه وزير المالية بحكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل الاثنين الماضي استعداد البنك لدعم لبنان في الظروف الاستثنائية عبر عدد من المشاريع لاسيما دعم القمح وبرنامج الأسر الأكثر فقرا. وتقوم المؤسسة الدولية المانحة بتمويل عدد من المشاريع في لبنان لاسيما مشروع شبكة الأمان الاجتماعي الذي يؤمّن مساعدات نقدية للآلاف من المحتاجين.
مشاركة :