قصة قصيرة حاصلة على المركز الأول على مستوى منطقة المدينة من الثانوية الخامسة بعنوان : أهذا أنا؟ في حين هروبٍ من زنزانة كثرة الدردشات القاذفة ، ومحاولة الانعتاق من أسرِ كلماتهم ، لأجدني أهربُ من كل شيء ، إلى نفسي التي أهربُ منها أيضًا ، وجَدَني والدي في حالة يرثى لها من الفوضى ، فضمَّني بحنوٍّ بالغ إليه ، وعلى عتبة الانهيار ألقيتُ برأسي في حجره ، ونطق فؤادي : أخبرني يا أبتاه ، لمَ لا يتوقف منجنيق ألسنتهم عن رشق الكلمات الفتاكة ، والألقاب الجارحة ، لتشرخ قلبي من منتصفه ، وتَذَرني أرغب بالاختفاء الأبدي ..! لم تربطني بهم سوى مجموعات الدراسة ، ولم يكُن لنا من الالتقاء نصيب في خِضَمّ ظروف بُعد الأماكن التي ساهمت في دراستنا عبر الانترنت ، فاستدرجوني على حين فضول لأبوح لهم بمواصفاتي بحجة أنني صديقهم ، فوصفت .. عن قامتي قالوا قزم مسكين ، لا يتسنى له رؤية شيء من هذا العالم حتى يعلو صرحًا ..! ولغيري من الطوال كنية الزرافات ..! عن شعري الذهبي قالوا حقل يابس ..! وعن وجنتَيَّ المشوبتان بالحُمرة قالوا قدَّاحة مُشتعلة ..! ولا يرضيهم سوى الشحوب ..! لماذا كنتُ هدفًا لسهامهم ، ومتجرّع سمومهم التي لم يُعرف لقسوتها ترياقًا ؟ فبتُّ كما لو كنتُ هاربًا من العالم ، هاربًا من الدراسة التي جمعتني بهم ، من المنزل وأركانه ، أهابُ المرآة التي لا أُطيق لانعكاسي عليها رؤية ، فارٌّ من كل شيء حتى من نفسي .. أجنَحُ في كل أمسية إلى الأنين المكبوت في سريري الشبيه بالتابوت ، لا يرهِف أحدهم لنحيبي أذنًا .. ما أفعلُ يا أبتاه ..؟ بنبراتٍ حنونة ، وبنظرة ثاقبة أَلِفتُها من تلك العينَين التي تحيط صاحبهما هالة من الدفء : أوَ تهاب التحديق في جمالكِ يا أجلّ آيات إبداع الخالق ؟ أوَ تخضع لقذائف أفواههم وقد علمت أن كل منهم مستقلٌّ برأيه ؟ فأنى لك أن تضع في الاعتبار كلامًا لأشخاص لم يروك ..؟ أما عن قامتك فهل ستطول وتقصر ركضًا خلف إسكاتهم ؟ وشعرك ، هل ستقتل جمالهُ بالأصباغ في سبيل إرضائهم ؟ وهل ستطفئ لهب وجنتيك لتسلَمَان إلى الشحوب المُخيف اتقاءً لاستهزائهم ؟ حتى وإن شوَّهت صورتكِ الحقيقية ، فقد طُبع على ألسنتهم ألا تُبارح النقد . أما عن قامتك فليتك علمت موطن تميز القصيرون ..! وعن شعرك فهو سنابل تلاعبت خيوط الشمس بلونها فخلَّفت وراءها هذا الشعر الحريري الذهبي الجميل ..! وعن وجنتيك الحمراوَتَين فهما قطعتا ياقوت لم تُشترَ بوافر الأثمان ..! لست ولن تكون ذات يوم لوحة قابلة للتغيير في أيديهم ، فيمسكون الفرشاة ويُنقّحون فيك ما شاؤوا ..! هيا ، ما زالت الفرصة سانحة لتنفض عنكِ هذا الغبار اللئيم الذي قد حال بينك وبين رؤية جليَّة لبهائك الذي قد نسيته مع كلامهم ..! نهضتُ مستثقل الخطى نحو مرآتي التي قد ركَنتُها خلف الخزانة ، وأخرجتُها من مكمنها مُغمض العينَين ، وبعد تنهيدة طويلة مشوبة بتفكير عميق في الكلمات الآنفة ، وعلى حين جُرأة فتحتُ عينَيّ ………….. تأملتُ طويلًا ….. أهذا أنا ..؟ وكيف استحالت قباحتي التي كنتُ أُصرِّح بها دائمًا إلى هذا البهاء الذي أبهَتَني ..؟ إنها الجاذبية الذي لطالما تمنيتُ لو رُزِقتُ بها ، وقد كانت تحُفُّني دائمًا ..! أمضيتُ وقتًا أتأملُ هذا الشخص الجديد الذي قد وُلد من كلمات أبي .. ومن خلفي جاء صوته الحنون المصحوب بابتسامة مرتسمة على وجهه قائلًا : كيف وجدت انعكاسك الذي كنت تخشى النظر إليه ؟ التفتُّ إليه بعينَين تلمعان وقلتُ بابتسامة ندَّت من قلبي : جميلًا جدًا ….! للتواصل مع الكاتبة Orjowanalbaloshi55@gmail.com
مشاركة :