إيقاف هجرة الأدمغة

  • 2/20/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أظهرت دراسة حديثة أن 95٪ من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم بعد التخرج. نعم، انت لم تخطئ في قراءة النسبة، خمسة وتسعون في المئة! - فكر لبرهة أية إحصائية صادمة وملعونة هذه!. لكن هل يجب أن نلوم أبناءنا لعدم رغبتهم في العودة إلى المكان الذي ولدوا وترعرعوا فيه؟ كثيرون منا صرفوا جميع مدخراتهم وربما استدانوا من أجل إرسال أولادهم للدراسة في الخارج، خاصة وأننا جميعاً نريد الأفضل لهم، ولكن ما يدمي القلب هو معرفتنا أن تصرفنا هذا يعني إلى حد كبير أننا سنفقد أولادنا للأبد. ليس من السهل انسلاخ الشاب اليافع عن أهله وأصدقائه ومجتمعه وبدء حياته مجدداً في بلد جديد وثقافة جديدة، خاصة ونحن نتحدث عن الأكثر تميزاً في كل جيل. شباب طموحين شغوفين للنجاح يتحلون بالنهم لمعرفة المزيد عن العالم الأوسع. الشباب الأكثر ذكاءً وانفتاحاً في مجتمعنا لا يريدون أن يعيشوا في ظل اقتصاد ريعي ومجتمع اتكالي بيروقراطي انتاجيته شبه معدومة، إنهم يريدون أن يطلقوا العنان لخيالهم وإمكانياتهم في بيئة لا تحد منها، وحيث يمكنهم أن يصبحوا أي شيء يريدونه، فهل يمكن لدولنا العربية - خاصة في ظل وضعها المزري الراهن - أن توفر لهم ذلك؟ العديد من ألمع وأفضل العقول في مجتمعاتنا، وبدل عودتهم إلى دولهم، اختاروا أن يستثمروا طموحهم ومواهبهم في وادي السيليكون في الولايات المتحدة، أو في الآلة الصناعية الألمانية الجبارة، أو في القطاع المصرفي لندن، وعدد لا يحصى من الأماكن حول العالم حيث تشحذ التحديات والمكافآت هممهم. نحن بحاجة إلى التفكير بصورة أكثر شمولية حول كيفية إعادة جذب العقول العربية الشابة لأوطانها، وما أقترحه هنا واضح تماماً ويعرفه الجميع، ولكننا لا نزال نفتقر إليه في مجتمعنا، نحن بحاجة لنوفر لأبنائنا الدارسين في الخارج مساراً وظيفياً مع أجر وترقية على أساس الجدارة والجهد وليس اسم العائلة أو علاقتها، كما أننا بحاجة لتوفير بيئة جاذبة في القطاع الخاص تساعد أصحاب المشاريع الشباب على وضع أولى أقدامهم على الطريق، وألا يكون القطاع العام مكاناً لدفن المواهب واستنزاف الموظفين الجدد الذين يريدون أن يحدثوا فرقاً في بلادهم. نحن أيضا بحاجة لإعادة النظر في التكلفة الاجتماعية الأوسع في كل مرة يجري فيها تقليص هامش الحقوق والحريات الشخصية. فلماذا أرفض كامرأة خليجية شابة العودة إلى وطني وأفضل البقاء في فرنسا مثلاً حيث اتمتع بكامل حريتي في اللباس والتصرف ويمكن أن ألعب دوراً مهماً في المجتمع والسياسة؟ وهل ندرك أنه عندما نسمح للنواب الإسلاميين المضي قدماً بتشريعات تقيد الحريات الثقافية لكل من من الرجال والنساء فإننا نسهم في هجرة الأدمغة؟ بين الفينة والأخرى نسمع المسؤولين ينفضون الغبار عن مشروع جذاب يطرحونه بصيغ مختلفة حول جعل البحرين مركزاً إقليمياً وعالمياً للتعليم، فهل ندرك أن الحديث عن مثل هذه المبادرة العظيمة لا تنفذ على أرض الواقع فعلياً؟ وهل هناك خطة لضمان أنه في غضون السنوات الخمس أو العشر القادمة ستصبح جامعاتنا المحلية الخاصة منافسا قويا لأفضل المؤسسات التعليمية في جميع أنحاء العالم؟. لماذا يذهب الشخص إلى الخارج إذا كان يمكنه الحصول على مستوى عالمي من التعليم في جامعة لا تبعد سوى عشرين دقيقة عن بيته مثلا؟!. هل يجب على سفاراتنا في الخارج بذل المزيد من الجهود للتواصل مع طلبتنا الدارسين في الجامعات الأجنبية ومساعدتهم على التواصل مع أرباب العمل المحتملين في البحرين ووضعهم على المسار الوظيفي الذي يستحق مؤهلاتهم؟ كصاحب عمل يوظف العديد من البحرينيين أحب أن يكون لدي تواصل فعَّال مع أكبر عدد ممكن من الخريجيين الحاصلين على أعلى مستويات التعليم من جهة والمتمتعين بالخبرات العالمية من جهة أخرى، لكني أصاب بالإحباط عندما أرى أن البحرين لا تستفيد من معظم هؤلاء الخريجيين لأنه ليس لديها الكثير لتقدمه لهم. الإحصائيات حول ظاهرة نزيف الأدمغة مرعبة، والدول العربية تنفق في المتوسط 0.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي على البحث والتطوير، في حين أن المعدل العالمي هو 2.1٪ والعديد من الدول ينفق ما يقرب من 4٪، لذلك فإن الخريجين المتميزين في مجالات العلوم والبحوث والتكنولوجيا يجب أن يكونوا مجانين حتى يفكروا في العودة إلى الوطن العربي حيث فرص الابتكار والتقدم في هذا المجالات قريبة من الصفر. نزيف الأدمغة هذا يعكس نزيفاً اقتصادياً حاداً كأمة ننفق بشكل كبير في تربية وتعليم أبنائنا ونخسرهم مقابل توظيفنا لعمالة وافدة، يحدث هذا في وقت يضعف فيه اقتصادنا لعدم وجود رجال الأعمال والمبدعين الذين يمكن أن يسهموا بإفكارهم في تنويع مصادر الدخل بعيدا عن عائدات النفط. هل لا زلنا نسعى بجدية لتحقيق رؤية مملكة البحرين 2030 ونحاول وضع تدابير ملموسة لإقامة اقتصاد وطني قوي يكون البحريني فيه الخيار الأول للتوظيف، ونرى أن 95٪ من طلابنا في الخارج يتنافسون على العودة إلى ديارهم واغتنام فرص التألق التي نقدر على تقديمها لهم؟ دعونا نفكر ونعمل على خلق بيئة مواتية نرى فيها أن كل طالب بحريني في الخارج يترقب بلهفة العودة إلى أحضان وطنه ويسخر مواهبه وطاقاته لبناء مستقبلنا المزدهر المنشود. *الرئيس التنفيذي لمجموعة بروموسيفن القابضة

مشاركة :