السؤال المطروح هنا: ماذا يعني هذا بالنسبة إلى السياسة النقدية؟ من خلال عدسة النماذج القديمة، فإن كل ما يحتاج البنك المركزي إلى معرفته للتنبؤ بالاستجابة للاستهلاك الكلي هو تقدير لمعلم واحد، وهو رغبة المستهلك في تأجيل المشتريات عندما ترتفع أسعار الفائدة "المرونة الإحلالية عبر الفترات الزمنية". لكن مع النماذج الكينزية الجديدة للوكلاء غير المتجانسين، تحتاج البنوك المركزية إلى معلومات أكثر دقة حول الجانب المتعلق بالأسر ضمن الاقتصاد، وتحتاج أيضا إلى صورة كاملة لتوزيع الميول الحدية للاستهلاك، ومصادر الدخل، ومكونات الميزانيات العمومية للأسر. إضافة إلى ذلك، فإن أهمية القنوات غير المباشرة تعني أن انتقال آثار السياسة النقدية يتم من خلال تلك الآليات التي تسهم في تكوين أسعار السلع والمدخلات والائتمان والمساكن والأسواق المالية. لذلك تحتاج البنوك المركزية إلى فهم عميق لهياكل السوق واحتكاكاتها، فضلا عن المؤسسات التي تسهم بأدوار رئيسة في هذه الظروف، مثل الحكومات المحلية والنقابات والأجهزة التنظيمية. أما الدرس الثاني فهو أن بعض السفن يطفو إلى الأعلى والبعض الآخر يغرق، تتلخص النظرة التقليدية للسياسة النقدية في أن "المد إذا ارتفع ترتفع معه كل السفن"، غير أن النماذج الكينزية الجديدة للوكلاء غير المتجانسين ترى أن هذا الأمر محض خيال. فعديد من قنوات انتقال أثر السياسة النقدية لها تأثيرات متباينة، ومتعارضة أحيانا، على الأسر المختلفة. فعلى سبيل المثال، تتوقف التأثيرات المباشرة لتغيرات أسعار الفائدة على الميزانيات العمومية للأسر. فانخفاض أسعار الفائدة يعود بالنفع على المدينين الذين تنخفض مدفوعاتهم للفائدة "مثل الأسر المعيشية التي لديها قروض عقارية بأسعار فائدة قابلة للتعديل"، ويضر بالمدخرين الذين ينخفض دخلهم من الفائدة. وللسياسة النقدية أيضا تأثيرات غير متجانسة من خلال أثرها في التضخم: أولا، يعود التضخم بالنفع على الأسر ذات الديون الاسمية الكثيرة التي يعاد تقييمها بالتخفيض. ثانيا، ترتفع أسعار بعض السلع مقارنة بسلع أخرى، وتستهلك أسر مختلفة هذه السلع بنسب غير متساوية. وأخيرا، فإن التأثيرات غير المباشرة للسياسة النقدية ليست متساوية في دخل الأسر المتاح، وهو ما يرجع إلى أن بعض الأسر تتعرض أكثر من غيرها لتقلبات النشاط الاقتصادي الكلي. وفي النماذج الكينزية الجديدة للوكلاء غير المتجانسين، لا تقتصر أهمية قنوات إعادة التوزيع هذه على دورها في فهم هوية الرابحين والخاسرين في السياسة النقدية، بل أيضا لأنها في صميم كيفية عمل السياسة النقدية، أي أن إعادة التوزيع تحدد تأثيرها الكمي في مجملات الاقتصاد الكلي. وبقدر ما تقوم القنوات الموضحة أعلاه بإعادة التوزيع من الأسر ذات الميول الحدية المنخفضة للاستهلاك إلى الأسر ذات الميول الحدية المرتفعة للاستهلاك، "من المدخرين إلى المنفقين"، يتعاظم الأثر الاقتصادي الكلي للسياسة النقدية. وتختلف أيضا آثار إعادة التوزيع باختلاف الدول. فمثلا، تزداد قوة هذه الآثار في الدول التي ترتفع فيها معدلات الفقر أو عدم المساواة، ما يؤدي أيضا إلى اختلاف في انتقال أثر السياسة النقدية بين الاقتصادات المتقدمة والدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. فالنماذج الكينزية الجديدة للوكلاء غير المتجانسين تجبرنا على ترك الخيال، حتى يمكننا الفصل بوضوح بين تحقيق الاستقرار وإعادة التوزيع. والدرس الثالث البصمة المالية لها أهميتها، فهناك مفهوم خاطئ آخر منتشر على نطاق واسع، وهو الرأي القائل إن السياسة النقدية يمكن فصلها عن سياسة المالية العامة. ومن خلال تعريف عدم المساواة في الدخل والثروة، تعيد النماذج الكينزية الجديدة للوكلاء غير المتجانسين إرساء رابط قوي بين الاثنين، موضحة كيف تترك السياسة النقدية "بصمات مالية" مهمة. فعندما يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة تزداد تكاليف الاقتراض على الخزانة، ويتعين تمويل الزيادة من خلال زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق سواء في الوقت الحاضر أو في المستقبل، أو من خلال التضخم في المستقبل. وفي النماذج الكينزية الجديدة للوكلاء غير المتجانسين، فإن الآثار الكلية لارتفاعات أسعار الفائدة تتأثر تأثرا هائلا بتفاصيل التوقيت، وكيف ومتى يمكن للحكومة تعويض هذا العجز المالي، ونوعية الأسر التي تتحمل العبء... يتبع.
مشاركة :